في السياسة، هناك زلات لسان يمكن تجاوزها، وهناك أخرى تكشف طريقة تفكير راسخة.
ما قالته برلمانية من حزب التجمع الوطني للأحرار في تجمع حزبي بالرباط- حين أعلنت أن “الآلاف جاؤوا ليجددوا العهد لرئيس الحكومة” - ينتمي للفئة الثانية بلا تردد.
ليس لأنه تصريح مبالغ فيه فحسب، بل لأنه يلامس مفهوما لا يجوز العبث به: العهد يُجدّد لعاهل البلاد، لا لأي مسؤول حزبي مهما علا موقعه.
المشكلة ليست في الحماسة الحزبية، بل في الخلط بين ما هو وطني وما هو انتخابي، بين ما هو رمزي وما هو دعائي. وقبل أن يهدأ الجدل حول مسؤولة حزبية أخرى في الدار البيضاء زعمت أن “لولا عزيز أخنوش لما كانت قطرة ماء”، جاء تصريح الرباط ليؤكد أن بعض الأصوات داخل حزب الحمامة تفضل طريقا قصيرا وسهلا: طريق شخصنة الدولة.
غير أن هذا الطريق يحمل كلفة ثقيلة.
فالمؤسسات لا تُختزل في الأشخاص، وتدبير الماء في الدار البيضاء ليس امتيازا يمنحه زعيم، ولا “العهد” تعبيرا يتقاسمه السياسيون في مهرجاناتهم.
هناك حدود أخلاقية وسياسية لا يمكن تجاوزها، خصوصا حين يتعلق الأمر بثوابت الدولة ورموزها.
اللافت أن الحزب يقود الحكومة، ما يجعل كل كلمة محسوبة—ليس على الحزب فقط، بل على صورة الدولة نفسها.
وما نسمعه اليوم لا يعكس أزمة خطاب فحسب، بل أزمة وَعي سياسي داخل جزء من نخبه، التي تخلط بين الولاء الشعبي والدعم الانتخابي، وبين احترام المؤسسات واستثمار الرموز.
ما يحتاجه الحزب اليوم ليس مهرجانات أكبر ولا خطابات أكثر حرارة، بل تأطيرا أكثر حكمة.
فالناخب المغربي لم يعد ينخدع بسهولة، والرأي العام يتتبع الكلمات كما يتتبع القرارات.
وزلة لفظية واحدة قد تكشف ما تخفيه الممارسة اليومية.
في النهاية، ليس مطلوبا من الأحزاب أن تمدح الدولة، بل أن تخدمها.
وليس مطلوبا من المواطنين “تجديد العهد” لأحد، بل محاسبة من في يده السلطة.
أما العهد الحقيقي، فمحفوظ في مكانه الطبيعي… بين الشعب والملك.






