وسرعان ما اكتشف هؤلاء “روّاد الاستثمار في الفضائح” ضالتهم في عائلة ناجيدين وشركتها “بافيلا”، حيث وفر لهم كون أفراد العائلة يتحدثون أساساً بالفرنسية مدخلاً سهلاً لتعليقات الإعلاميين الفرنكوفونيين، فاستُعمل ذلك كوقود للتهويل والكاريكاتورية، وأحياناً لنبرة تحمل شيئاً من التعالي تخدم السردية التي يسعون لتسويقها. ودون جهد يُذكر، وجدوا “شخصياتهم” و”قصتهم”، والأهم مادّتهم الخام لتشغيل آلة “النقرات”.
وهكذا، بدل مقاربة التاريخ القانوني بهدوء لقطعة أرض مساحتها 13 ألف متر مربع، وثبوت ملكيتها الخاصة منذ تسعينيات القرن الماضي، اختار البعض الإكثار من التلميحات، وتجميع معطيات مبتورة عن سياقها، وصناعة جدل لم يكن موجوداً إلا في رواياتهم.
وكلما ابتعدت الوقائع عن الحقيقة، ازداد انتشار المنشورات، وكل تطور أو إيحاء تحوّل إلى فرصة للربح: فيديوهات مشروحة، مقالات متسرّعة، وبثوث مباشرة مرتجلة… لقد نشأ نظام كامل يتغذّى من هذا “الفضيحة” المفترضة.
غير أن الوثائق القضائية والأرشيف العقاري تكشف قصة مغايرة تماماً: أرض خاصة، وتصنيف عمراني تم الطعن فيه ثم إلغاؤه، ومحاولة إدارية غير منتظمة لإعادة تكييف الوضع القانوني بادرت بها الجماعة، وسرعان ما أوقفتها المحاكم. لا شيء في ذلك يبرر الخطاب الكارثي أو الاتهامات التي أُطلقت باستخفاف. لكن في اقتصاد الانتباه الحالي، لا تدرّ الدقة أرباحاً، بينما يبقى الشكّ تجارة رابحة.
وما كان من الممكن أن يظل نقاشاً تقنياً حول قانون العقار، تحوّل، بين أيدي البعض، إلى مسلسل يومي، لم يلبث أن انزلق إلى سخرية موجّهة، أحياناً من طريقة تواصل عائلة ناجيدين نفسها، وكأن التحدث بالفرنسية يجعل تلقائياً محلاً للشبهة أو “منفصلاً” عن واقعه. وهي حيلة سردية مريحة لأولئك الذين يسعون إلى خلق تقابل مصطنع بين “نخب ناطقة بالفرنسية” و”الرأي العام”، حتى عندما لا تسند الوقائع أي أساس لذلك.
في المحصّلة، تكشف هذه القضية أكثر عن وضع المنظومة الإعلامية والرقمية مما تكشف عن حقيقة الأرض ذاتها. فهي تُبرز كيف يمكن لجدل بلا أساس متين أن يتحوّل إلى مورد مالي لبعض الفاعلين، وكيف يتحوّل ملف إداري إلى عرض إعلامي، وكيف يمكن لعائلة أن تصبح، رغماً عنها، محور اضطراب مُفتعل بعناية… اضطراب لا يُغذّي في النهاية سوى من يعيشون على وقعه.






