في المشهد السياسي المغربي اليوم، يبدو أن حزب العدالة والتنمية يحاول بعناية إعادة تموقعه كبديل أخلاقي للمغاربة في الاستحقاقات القادمة، مستثمرا سلسلة من الخطابات الحادة والمزايدات السياسية التي تجعل الأخلاقة في قلب معركته التواصلية. هذا الخطاب ليس جديدا على الحزب، لكنه يعود هذه المرة بحدة أكبر، مستغلا الضعف الواضح لغريمه التجمع الوطني للأحرار في ادارة التواصل السياسي، سواء على المستوى المؤسسي أو الشعبي.
1- العودة الى الأخلاق… حين يصبح الخطاب بديلا عن المشروع
اليوم، يقدم العدالة والتنمية نفسه كصوت يحتج ضد الفساد، وكطرف اوحد يحمل راية النزاهة. إلا أن هذا التشبث بالخطاب الاخلاقي يخفي في العمق غياب أي مشروع مجتمعي متكامل في الاقتصاد او السياسة. فالحزب، منذ خروجه من الحكومة، لم يقدم رؤية اقتصادية او اجتماعية حقيقية، ولم يقترح حلولا بديلة عن السياسات التي يتهم خصومه اليوم بفشلها.
وعوض ذلك، يختار العودة الى منطقة مريحة تاريخيا بالنسبة اليه: منطقة الاخلاق. خطاب بسيط وسهل التسويق، لكنه يبتعد عن جوهر العمل الحزبي الذي يقتضي اقتراح سياسات عمومية وليس فقط ادانة اخلاقية للاخرين.
2- الفساد؟ من يتحمل المسؤولية عن عقد كامل من الجمود؟
من المفارقات التي تثير الاستغراب ان الحزب الذي يرفع اليوم شعار محاربة الفساد قضى عشر سنوات كاملة في قيادة الحكومة دون ان ينجح في بناء اي بنية مؤسساتية جدية لمحاربته.
فاي اختلالات او مظاهر فساد يشير اليها اليوم، هي في النهاية حكم على ضعف تجربته الحكومية نفسها، وليس على خصومه فحسب. فالحزب لم يراع حتى الوعود التي بنى عليها صعوده سنة 2011، ولم يحقق القفزة المؤسساتية التي كان ينتظرها المغاربة منه.
ويبقى الحديث الشهير لعبد الاله بنكيران:
عفا الله عما سلف
أحد أكثر العبارات دلالة على الطريقة التي اختار بها الحزب التعامل مع ملف الفساد: تبرير سياسي بدل بناء سياسات عمومية واصلاحات ملموسة.
3- اعادة تدوير خطاب 2011… لكن التجربة تتكلم
ليس خافيا أن اللحظة الحالية تذكر كثيرا بسنة 2011، حين وضع الحزب الاخلاق في قلب حملته الانتخابية وقدم نفسه حاملا لراية التغيير. لكن ما ان تسلم السلطة حتى وجد المغاربة انفسهم امام قرارات كبرى كانت اثارها قاسية على المواطنين، من ابرزها:
• تحرير سوق المحروقات دون حماية المستهلك، وهو القرار الذي ينعكس الى اليوم على جيوب المغاربة وتعاقب الحكومات.
• رفع سن التقاعد وتقليص المعاشات، ما شكل ضربة موجعة لطبقة واسعة من الموظفين.
• فرض التعاقد في قطاع التعليم، مما خلق حالة احتقان اجتماعي مستمرة منذ سنوات.
• وعلى المستوى القيمي، وقع الحزب على اتفاق التطبيع وعلى قانون القنب الهندي، وهي ملفات كان يعارضها بشراسة عندما كان في المعارضة.
هذه القرارات تظهر بوضوح ان الحزب، حين توفرت له السلطة، لم يدافع لا عن العدالة الاجتماعية ولا عن الاخلاق التي يرفعها اليوم كسيف على خصومه.
4- غياب مشروع… وعودة الى خطاب الطهرانية السياسية
محاولة العدالة والتنمية اليوم استعادة البكارة الاخلاقية ليست سوى استراتيجية للهروب من الفراغ البرنامجي الذي يعانيه. فالحزب لا يقدم نموذجا اقتصاديا جديدا، ولا تصورا للسياسات الاجتماعية، ولا مقاربة لاصلاح الدولة. ما يقدمه هو فقط لغة اخلاقوية هجومية تعوض غياب الرؤية، وتعيد احياء اسلوب سياسي تجاوزه المجتمع.
كما ان محاولة استغلال أخطاء الخصوم او ضعفهم التواصلي لن تعيد للحزب ما فقده خلال عشر سنوات من الحكم اتسمت بالتردد والقرارات المؤلمة.
خلاصة:
السؤال المطروح اليوم ليس ما اذا كان العدالة والتنمية يستطيع استعادة بكارته الاخلاقية، بل ما اذا كان المغاربة مستعدين لنسيان التجربة التي عاشوها بين 2011 و2021.
أما الحزب، فبدل اعادة انتاج خطاب اخلاقي استهلكه الزمن، سيكون عليه تقديم مشروع مجتمعي واضح، واقتصادي واقعي، وسياسي شجاع، اذا اراد فعلا العودة الى الساحة بثقة جديدة.
غير ذلك، ستبقى محاولة استرجاع البكارة الأخلاقية مجرد مناورة تواصلية لا تغير في الواقع شيئا.






