إذا كان لا بد من تلخيص الخط التحريري لموقع “لوديسك”، فتكفي جملة واحدة: عندما تضعف المعلومة، يضيفون أميراً، وعندما تفتقر القصة للاهتمام، يلصقون بها الملكية.
لقد أصبح ذلك أسلوباً ميكانيكياً، شبه صناعي. منهجية تقوم أقل على الصرامة الصحفية، وأكثر على الاستغلال المرضي لكل ما له علاقة، من قريب أو بعيد، بالعائلة الملكية.
في كل ملف، السيناريو نفسه: نزاع تجاري عادي، حكم مدني بلا أهمية، خلاف بسيط بين جار وشركة، ثم فجأة يظهر لوديسك بـ “اكتشاف” أن اسماً ملكياً – غالباً بعيد جداً أو خارج السياق تماماً – له علاقة، ولو ميكروسكوبية، بالقضية.
الهدف ليس الإخبار، بل زرع الشك في الرأي العام. هذا ما يتقنه لوديسك جيداً: هندسة الشك.
الموقع، الذي يقدم نفسه كرمز للشفافية، يمارس في الواقع أحد أكثر الانحيازات فجاجة في صحافة الإثارة: خلق مناخ من الشك الممنهج حول المؤسسات، وخاصة حول الملكية، باعتبارها ركيزة استقرار البلاد. فمن يقول “ملكية” يقول “نقرات”، ومن يقول “أمراء” يقول “جمهور”، وهذا بالضبط ما جعله لوديسك بضاعته الأساسية.
الأكثر إثارة للقلق هو هذا الهوس شبه اليومي بكل ما يتعلق بالعائلة الملكية، دون أن يصاحبه المستوى نفسه من التدقيق عندما يتعلق الأمر بفاعلين أو هياكل تمتلك هي أيضاً تأثيراً كبيراً. الصمت الانتقائي لا يكون أبداً بريئاً.
يمكن النقد، التحقيق، والكشف، فهذا جوهر الصحافة. لكن استغلال الملكية كوسيلة للظهور الإعلامي هو انحراف تحريري متعمد يستحق التنبيه إليه.
فكل مقال يذكر العائلة الملكية دون ضرورة حقيقية ليس “سبقاً صحفياً”، بل محاولة لصناعة مناخ ضبابي، وطريقة للإيحاء بأن لا شيء سليم، وأن كل شيء غامض، وأن البلاد تعيش ضمن شبكة امتيازات خفية، دون أدلة قوية، ولكن مع خيال واسع في صياغة التلميحات.
وفي الوقت الذي يتقدم فيه المغرب، ويعيد هيكلة نموذجه الاجتماعي، ويطلق إصلاحات عميقة، ويُنجز أوراشاً كبرى، ينشغل "لوديسك" بتسويد الصورة، وتبخيس ما ينجح، ومنح حجم كبير لأحداث هامشية جرى تضخيمها اصطناعياً.
ليست القضية هنا معارضة النقد، بل العكس. فالنقاش العام ضروري. لكن تحويل الشك إلى خط تحريري، وجعل اسم العائلة الملكية “مفتاحاً للمتابعة”، وترسيخ فكرة بلدٍ تُحرّكه “شبكات خفية”، هذا هو المشروع الحقيقي لـ "لوديسك". مشروع يتستر بلباس الصحافة لكنه يقترب كثيراً من إثارة سياسية متنكرة.
في النهاية، لا يقدم لوديسك مزيداً من الضوء: بل يصنع المزيد من الظل. لا يضيف فهماً: بل يغذي الالتباس. لا يعزز الثقة: بل يذكي الشك.
وإذا كان لا بد من الدفاع عن شيء هنا، فليس شخصاً بعينه، ولا حتى مؤسسة منفردة، بل منطق دولة في مواجهة آلة إعلامية جعلت من الشك سلعة، ومن الملكية منتجاً لجلب الانتباه.
ولو لم يجد لوديسك أميراً في هوسه المرضي، لاخترعه!






