تحليل

ما وراء قرار الإبقاء على سعر البوطا دون زيادة

علي الغنبوري (محلل اقتصادي)

بعيدا عن الوجه الإيجابي للقرار الذي أعلن عنه رئيس الحكومة في البرلمان بعدم الزيادة في سعر البوطا، فالوجه الآخر لهذا القرار يكشف أن الحكومة تقدم دليلا إضافيا على تعثر الإصلاحات الاجتماعية التي رفعتها كشعار منذ اليوم الأول، فإذا كان هناك مؤشر حقيقي على تعثر ورش إعادة توجيه الدعم وتحديث نظام المقاصة، فهو هذا التراجع المتكرر عن التزامات واضحة قدمت بجدول زمني محدد، قبل أن تتراجع الحكومة للسنة الثانية على التوالي عن التنفيذ.

والأهم أن عدم رفع أسعار البوطا لا يخدم فعليا الفئات الفقيرة أو الهشة، لأنها لا تستهلك سوى حوالي 10 في المئة من إجمالي الدعم الموجه لهذه المادة، بينما تستفيد منه بالدرجة الأولى الفئات الميسورة وأصحاب المال والمقاولات الكبرى، ما يعني ان إبقاء الدعم على حاله لا يمثل حماية اجتماعية، بل استمرار في اختلال عميق كان من المفترض أن يصححه إصلاح صندوق المقاصة عبر إعادة توجيه الموارد نحو من يستحق فعلا.

الحكومة كانت قد قدمت تصورا واضحا لإصلاح المقاصة، تمكين الفئات الهشة من الدعم الاجتماعي المباشر، موازاة مع إصلاح التعليم والصحة، وتوفير مناصب الشغل عبر إصلاح اقتصادي شامل، يغير الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمغاربة، هذا التصور كان يفترض أن يشكل الإطار العام لعدالة اجتماعية جديدة، لكن الواقع اليوم للأسف يؤكد أن المسار توقف، وأن الإجراءات التي كان من المفترض أن تنفذ تدريجيا تحولت إلى قرارات مؤجلة بلا أفق.

التراجع عن إصلاح صندوق المقاصة لا يعني فقط تعثر ورش اجتماعي معين، بل هو تعثر للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي برمته، لأن هذه الملفات مترابطة ومتكاملة، حيث لا يمكن تصور دعم اجتماعي مباشر فعال دون تحرير تدريجي للدعم غير العادل، ولا يمكن تصور إصلاح اقتصادي حقيقي دون التزام حكومي واضح وجريء بمخرجات النموذج التنموي، وهذا بالضبط ما غاب في هذا القرار.

ولعل ما يزيد من اشكال هذا التراجع هو ما سبق أن أكده والي بنك المغرب، حين شدد على أن الاقتصاد الوطني لا يمكن أن يكون مجالا للمزايدات السياسية، خاصة في سنة انتخابية، وأن المغرب يوجد تحت مراقبة مالية دقيقة، حيث يتابع صندوق النقد الدولي وضعية العجز والمديونية والتوازنات الكبرى، مقابل التزامات إصلاحية واضحة تعهدت بها الحكومة، وهنا يصبح من المشروع أن نطرح السؤال، هل نحن أمام قرار اقتصادي مسؤول، أم أمام مناورة سياسية هدفها تأجيل الإصلاح الحقيقي لخلفيات انتخابية؟