فن وإعلام

سقوط الحضارة: الإنسان بين الضياع والبحث عن الانتماء

سالم يفوت (كاتب ومفكر)

- تأليف: كولن ولسون

- ترجمة: أنيس حسن


يرى كولن ولسون أن الحضارة الغربية الحديثة بلغت لحظة أزمتها الكبرى؛ لحظة الضياع الروحي والفراغ الوجودي الذي يعانيه الإنسان الحديث.

فالإنسان، رغم تقدّمه العلمي والتقني، فقد الإحساس بالمعنى والانتماء، وأصبح يعيش أزمة "اللامنتمي" — ذلك الفرد الذي لا يجد ذاته في مؤسسات المجتمع ولا في قيمه، والذي يَتجاوز أنظمة الفكر السائدة، لكنه لا يجد بديلاً روحياً يمنحه التوازن.


ولسون، الذي واصل هنا أفكار كتابه الشهير «اللامنتمي»، يرى أن سقوط الحضارة لا يبدأ من انهيار المدن أو الاقتصادات، بل من داخل الإنسان نفسه حين يفقد الصلة بين العقل والروح، والعلم والدين، والفكر والحياة.


المحاور الرئيسية


1. اللامنتمي كمرآة للحضارة الحديثة


في البداية، يعود ولسون إلى مفهوم اللامنتمي — الإنسان الذي يشعر بالغربة في عالم فقد المعنى.

لكن هذه المرة، لا يقدّمه كحالة فردية فقط، بل كـ عرض حضاري عام يدل على مرض الروح الغربية.


يقول ولسون إن "اللامنتمي هو عرض السقوط، لا سببه"، أي أن هذه الفئة الحساسة والقلقة تعبّر عن عمق المأزق الإنساني لا عن تفرد مرضي.

يحلّل المؤلف شخصيات مثل رامبو وسكوت فتزجرالد كنماذج للإنسان الغربي الذي تاه بين المتعة والبحث عن معنى، بين التجريب الفني واليأس الوجودي.


2. تدهور الحضارة الغربية: الوجودية كعرضٍ للأزمة


يرى ولسون أن الفلسفات الحديثة، وعلى رأسها الوجودية، هي استجابة غير مكتملة لأزمة الإنسان المعاصر.

فبينما حاولت الوجودية أن تحرر الإنسان من قيد العقل البارد، وقعت هي نفسها في عبثية العدم.


يشير إلى أن شنبلغر كان مؤرخًا "وجوديًا" لأنه رأى التاريخ كتجربة حياة داخلية، لا كمجرد وقائع.


غير أن ولسون يختلف معه في التشاؤم، ويؤكد أن كل حضارة تصل إلى لحظة أزمتها، تكون في الوقت نفسه على عتبة ميلاد نموذج أعلى من الإنسان — ما يسميه "الإنسان المتجاوز".


3. اللامنتمي والبحث عن الخلاص الديني


في الأقسام اللاحقة، يتناول ولسون محاولات اللامنتمي للعودة إلى الانتماء عبر الدين.

يحلّل تجارب روحية وفكرية مثل بوهمه، سويدنبرغ، باسكال، كيركغارد، وبرنارد شو، ليبيّن أن الدين في الغرب فقد طاقته الحيوية، وتحول إلى مؤسسة جامدة لا تستجيب للقلق الإنساني الجديد.


يُظهر ولسون أن شو، رغم نقده للدين التقليدي، كان يبحث عن قوة روحية خلاقة تتجاوز العجز البشري — أي أنه لم يكن ضد الدين، بل ضد ضعفه التاريخي.


4. العقل والعلم: أدوات أم قيود؟


يشير ولسون إلى أن العلم الحديث، رغم أنه حرّر الإنسان من كثير من القيود المادية، سلبه الدافع الروحي.

لقد انشغل العقل بالأداة ونسِي الغاية، وبذلك أصبح التقدّم التكنولوجي يعمّق أزمة الإنسان بدلاً من حلّها.

فالعقل المنفصل عن الروح يولّد حضارة ميكانيكية، باردة، فاقدة للمعنى.


5. نحو إنسانٍ أعلى: تجاوز الأزمة


يرى ولسون أن الحلّ لا يكمن في الرجوع إلى الماضي، ولا في الرفض العدمي، بل في خلق نموذج أسمى من الإنسان — الإنسان الذي يوازن بين المعرفة والإيمان، بين الحرية والمسؤولية، بين الوعي الفردي والكلّ الإنساني.


فكل حضارة تنهض من رمادها حين تلد إنساناً جديداً أكثر اتزاناً ووعياً بذاته.


 الخلاصة


كتاب «سقوط الحضارة» هو تشريح فلسفي وروحي للإنسان الغربي الحديث، الذي رغم وفرة المعرفة والتقنية، يعيش خواءً داخلياً وفقداناً للمعنى.


يرى ولسون أن الحضارة تسقط حين تعجز عن خلق نموذج جديد للإنسان يدمج بين العقل والإيمان، بين الحرية والغاية.


وفي الوقت نفسه، هو دعوة متفائلة إلى تجاوز الانهيار الروحي لا إلى الاستسلام له؛

فكل سقوطٍ في نظر ولسون هو بداية صعود نحو وعيٍ أعلى.