طرح بعض الناس رسالة موجهة للملك للتوقيع عليها تتضمن أفكارا تعتبرها دعما لحراك جيل زيد، من بينهم من أعرفهم و من أحترمهم ولا أشك في سعيهم إلى تمكين المغررب من إصلاحات ديمقراطية واقتصادية واجتماعية تحل مشاكل حقيقية تثير غضب المغاربة. والواضح أن الرسالة، التي يتعايش داخلها منطقان بشكل غير متوازن، كانت موضوع تفاوض قبل اعتماد صياغتها النهائية التي لم تتوفق في إيجاد توازن بين من يريد الإصلاح بنية صادقة، و بين من يتعمد "التقلاز" بغرض إدخال الملك إلى مجال نزاع أو ممارسة الضغط عليه، وهذا ما يجعل الرسالة. خارج السياق، ولا تقدم دعما للشباب الذي خرج للتظاهر تعبيرا عن الغضب من وضعية تغضبنا جمييعنا.
و تفاعلا مع مايتم تداوله في المنصات الرقمية، و مايجري في عالم يمور و يتعاظم اضطرابه نتيجة توالد أسئلة جديدة، لها علاقة بالتكنولوجيا ولا تختزل فيها، و نشوء برادغمات جديدة تشكل مصدر هشاشة وغموض عالميا وعلى مستوى كل بلد.
الرسالة قام بصياغتها الأصلية من يتوهمون أنهم قادرون على احتواء هذا الحراك الشبابي، وتحديد أجندته ومطالبه، وهم أنفسهم من حاولوا نفس الشيء مع شباب حركة 20 فبراير، رغم أن عددا منهم لم يوقعها بعد كتاكتيك، وذلك بإحداث مجلس للدعم حضرت جمعه، وتعجبت كيف أصر البعض على نيل صدارته دون الانتباه إلى الإختراق الذي سجلته وقتئذ. ويساور هؤلاء، الذين يسعون إلى إحتواء كل احتجاج، أنهم الفئة المصطفاة التي سخرها الله لتكون قائدة، يتبعها الناس كما يتبع المريدون شيوخ الزوايا، وليتهم كانوا فعلا قادرين على قيادة أي شيء ذو حجم و وزن، إذ الواقع يقول إنهم مجموعة مغلقة تحاور نفسها باسترجاع الماضي و ثقافته وشعاراته، و لا يمكن لها، والحالة هذه، أن تنفتح على هذا الجيل أو غيره، ولا أن تنفتح على فكر جديد أو أن تمتلك رؤيا جديدة تتناسب وما تغير ويتغير في العالم.
إنها إذ تحاول برسالتها تصحيح رسالة جيل زيد، والتحدث بإسمه، بشكل ملتو، فإنما تسيئ له، والحال أن نشطاء هذا الجيل يؤكدون، ويعيدون التأكيد، بأنهم لا يقبلون وصاية، و لا يرغبون في أن تفرض عليهم أي جهة سياسية أجندتها وإخراجها من سياقها، بل و عبرت عن مواقف سلبية من كل التنظيمات السياسية، و بلورت مطالب تعكس حالة الطلاق بين تلك التنظيمات وبين شباب البلاد الخطيرة على إمكان إنجاح انتقال سياسي يقود إلى ديمقراطية حقيقية.
لقد كان بإمكان أصحاب الرسالة الدعوة إلى نقاش عمومي مفتوح على مشاركة واسعة وتعددية، تجمع السياسي والمثقف والأكاديمي، وكل من له هم قدرة إخراج البلاد من الوضعية الحالية وفتح آفاق التقدم، لكن النرجسية المفرطة، التي تعكس غلبة ماهو فرداني على ماهو جماعي (هولست) في الفكر، لا يمكن أن تقود إلى هذا الطريق.
هذه الرسالة، و أيضا رسالة جيل زيد قبلها، تؤكد أننا في حاجة إلى عودة السياسة، وتشير إلى أن ذلك الانفجار النووي الذي أدى الى تفتت العمل السياسي الجماعي لفائدة المجتمع المدني، يجب تجاوز مخلفاته كي يستعيد النضال الديمقراطي توهجه، ويستعيد اليسار المفتت، على الخصوص، موقعا يليق به، و يمكنه من حضور وازن و قدرة على التواصل مع الأجيال الشابة التي تنظر إليه اليوم بنفس نظرتها المتوجسة من اليمين. إن جيل زيد هو جيل ما بعد الإسلاموية التي ساهمت، إلى جانب الدولة ومخططاتها، في قتل السياسة.






