هناك بعض الشخصيات التي قد لا تكون معروفة للجميع، لكن مسار حياتها يختزل أحيانًا أحداثًا وحقبًا بأكملها من تاريخ المغرب. الهاشمي الطود ينتمي إلى هذه الفئة من الناس.
في هذه السيرة الذاتية، قد يتساءل القارئ عن مصداقية كل ما يحكي عنه الهاشمي الطود من أسماء التقى بها وأحداث كان شاهدًا عليها، لأن ذلك كثير ومثير. لكن ما جاء في الكتاب مهم جدًا لفهم صراعات وخلافات بين قادة الحركة الوطنية حول تدبير الصراع مع الاستعمار وعلاقتهم بالجزائر على وجه الخصوص.
فقد كان هناك اختلاف جوهري، على سبيل المثال، بين عبد الكريم الخطابي (الذي كان الطود ملازمًا له) وبين قادة الحركة الوطنية. كان الخطابي يعتقد أن الحل يمر عبر ثورة مسلحة تشتعل في نفس الوقت في دول المغرب العربي، وأن استقلال الدول الثلاث (المغرب والجزائر وتونس) يجب أن يتم في مسار واحد وبقيادة عسكرية موحدة، في أفق مغرب عربي موحد. في المقابل، كان قادة الحركة الوطنية المغربية ( وحتى التونسية من جانب آخر ) يفضلون التفاوض المباشر مع فرنسا، خصوصًا بعد نفي محمد الخامس ومحادثات إيكس ليبان. استمرت هذه الخلافات بين كل هؤلاء الوطنيين المغاربة لسنوات، وظل الخطابي غير راضٍ عن هذا الاختيار (أما من كان على حق ومن كان على خطأ، فهذا أمر آخر).
يحكي الكتاب أيضًا عن مشاركة المتطوعين المغاربة في حرب فلسطين عامي 1947، وعن تفاصيل هذه المأساة والمجازر التي ارتكبتها الميليشيات الصهيونية في حق السكان المدنيين الفلسطينيين (حيث يروي كيف رأى آبارًا أُلقيت فيها جثث سكان القرى). كما يروي الهاشمي الطود، وهو ما يزال شابًا، كيف أن نداء انطلاق المقاومة المسلحة ضد قرار تقسيم فلسطين صدر من بيت عبد الكريم الخطابي في القاهرة، وكيف أنه هو من قرأ البيان بحضور زعماء عرب مثل الحاج أمين الحسيني ورياض الصلح، الذين طلبوا منه ذلك نظرًا لرمزيته وتاريخه النضالي، وكيف كان الخطابي يعمل كل ما بوسعه لارسال متطوعين مغاربيين لمقاومة المخطط الصهيوني انذاك .
العديد من الأحداث الغريبة والمثيرة، بالإضافة إلى الأحكام القاسية على بعض الشخصيات المغربية، وخصوصًا جيش التحرير، موجودة في هذه السيرة الذاتية لرجل لا نعرف عنه الكثير.






