قضايا

المجلس الوطني للصحافة.. الخيار الأنسب: التخلي عن الترسانة القانونية المتبعة إلى حد الساعة

الطيب دكار (صحفي وكاتب)

تتطلب إعادة هيكلة المجلس الوطني للصحافة في رأيي المتواضع التخلي عن الترسانة القانونية بأكملها المتبعة إلى حد الساعة (الانتخابات و الانتداب)، ووضع تصور جديد يضمن تمثيل الجميع دون استثناء.                                                                

النموذج المتوخى يعرف تطبيقا على الأرض في فرنسا ، حيث ينفتح على تمثيلية ثلاث فئات تجمع، بالإضافة إلى الصحفيين المحترفين، بجميع تنظيماتهم، الناشرين، وأخيرًا الجمهور، من خلال جمعيات القراء والمستمعين والمشاهدين وخبراء في علوم الاتصال والاخبار (مراكز التكوين ومدارس الاتصال إلخ). ثلاث هيئات تنتخب ممثليها بالتساوي في مجلس مهمته الحرص على الالتزام بأخلاقيات المهنة، وإصدار بطاقات الصحافة، والتحكيم والوساطة في النزاعات بين الفئات الثلاث. لا يتمتع المجلس بأي صلاحيات قضائية.                                                        

يتميز هذا النموذج بكونه يجمع المهنيين من قطاع الصحافة حول طاولة واحدة، حيث يتجنبون المنافسة الانتخابية بين مختلف الفئات ويعملون من أجل الدفاع عن استقلالية المهنة عن التأثيرات أيًا كان مصدرها (السلطة، سلطة المال).                                     

وإننا نعتقد في الأخير، أنه لا يمكن ضمان استقلالية هذه الهيئة التمثيلية إلا إذا كانت مستقلة هيكليًا عن الحكومة، من حيث إدارتها وماليتها وتنظيمها. ويمكن للقانون، على كل حال ، أن يضع القواعد اللازمة لضمان هذه الاستقلالية والتسيير الذاتي، وفقًا للمادة 28 من الدستور الليبرالي لعام 2011، التي تحصر دور السلطات العمومية في مهام استشارية. ينص القانون: "تعمل السلطات العمومية على تشجيع تنظيم القطاع بشكل مستقل وعلى أسس ديمقراطية (...)". في التحاليل المختلفة المتعلقة بالقوانين الجديدة حول إصلاح المجلس الوطني للصحافة، بما في ذلك تحليلات وزراء الاتصال السابقين، ولا سيما مهندس المجلس الوطني للصحافة، مصطفى الخلفي، يتم تجاهل نوايا والمقاصد الواضحة لواضعي الدستور الليبرالي لعام 2011، اللذين استعملوا الفعل "تشجع" لتحديد دور السلطات العمومية في هذه الاوراش.                                           

في قاموس اللغة العربية تعني كلمة "تشجع" التحفيز والالهام و الحث على الاقدام . أما بالفرنسية فالكلمة المستعملة تعني "تهيئة الظروف التي تُمكّن من نجاح عمل ما، وتطوير نشاط ما، وتسهيله، وتشجيعه". وهذا يعني أن دور السلطات العمومية هو تسهيل وتشجيع وتهيئة الظروف اللازمة لتنظيم قطاع الصحافة. بمعنى آخر، كان هدف محرري الدستور يرمي إلى مساعدة المهنيين في هذا القطاع على تنظيم أنفسهم باستقلالية.                                                               

غير أن السلطات العمومية تدخلت بشكل كبير في تحديد هيكل المجلس وتكوينه وشروط انتخابه، حتى أنها ضمت ممثلين عن مؤسسات غير مهنية إلى المجلس، قدمتهم الإدارة على انهم يمثلون الجمهور. والأخطر من كل هذا أن السلطات العمومية أقرت أجورا و مكافآت لفائدة أعضاء المجلس الشئ الذي من شأنه أن يُقوّض استقلاليته. يبدو لي أن هذا الإجراء يتعارض مع روح ونص المادة 28 من الدستور الليبرالي لعام 2011. إن القوانين الجديدة المتعلقة بالإصلاح المزعوم للمجلس الوطني للصحافة لن تؤدي لا محالة إلا لترسيخ عدم شرعية المجلس.