تحليل

حين يصيب العمى السياسي حماس والبوليساريو

سعيد الكحل

لطالما حاولت عصابة البوليساريو الربط، تعسفا، بين أوضاع الفلسطينيينتحت الاحتلال الإسرائيلي وبين أوضاع الصحراويين المحتجزين في تندون.

وكذلك نحا قياديو بعض الفصائل الفلسطينية (الجبهة الشعبية لتحريرفلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وتفرعاتها) نفس المنحى خدمة لأجندةأعداء الوحدة الترابية للمغرب.

وإذا كان لا بد من الربط بين الحالتين، فإن الأولى الربط بين الحركاتالمسلحة لدى الطرفين في المآل وانعدام القراءة الإستراتيجية للواقع الداخليوالدولي معا. حين أدركت حركة فتح بقيادة الراحل ياسر عرفات أن خيار المقاومةالمسلحة وحده لم يحرر أرضا ولا انتزع حقا، قررت، عبر موافقة مجلسها الوطني، سنة1993، إضافة خيار المفاوضات للوصول إلى السلام إلى خيار الكفاح المسلح. وقد هيّأياسر عرفات حركة فتح لهذا الخيار بخطابه أمام أعضاء هيئة الأمم المتحدة، فيالثّالث عشرة من نوفمبر1974، حين قال:” جئتكم يا سيادة الرئيس وبندقيّة الثّائر فييدي، وفي يدي الأخرى غصن الزّيتون، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.

نفس القناعة انتهى إليها مؤتمر القمة العربي غير العادي في القاهرة فييونيو 1996، حين قرر أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية يتحققفي ظل الشرعية الدولية.

واقعية حركة فتح تجسدت في انتزاع اعتراف إسرائيلي بالحركة كممثل شرعيووحيد للشعب الفلسطيني وبحقه في إقامة دولته وفق ما نصت عليه اتفاقية أوسلو. إلاأن هذه الواقعية لم تتوفر لباقي الفصائل الفلسطينية، خاصة حركتي حماس والجهاداللتين ناهضتا اتفاق السلام وعملتا على إفشاله خدمة لأجندات ما سمي “محورالممانعة”. لقد أضاعت حماس والجهاد على الفلسطينيين ما تضمنته اتفاقية أوسلو منبنود وفرص تسمح بقيام دولة فلسطينية على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية (20 %) بعدخمس سنوات من بداية سريان الاتفاقية تنتهي إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأممالمتحدة 242و338. كما نصت الاتفاقية على أن المفاوضات ستشمل القدس واللاجئينوالمستوطنات، والترتيبات الأمنية والحدود.

انتهى خيار حمل السلاح.
لم تدرك حركة حماس المتغيرات الإقليمية والدولية التي أحدثها سقوطجدار برلين، وكذا مبادرة السلام مقابل الأرض التي قدمتها الدول العربية في 1996 و2002، ولازالت متمسكة بها بعد أن أيقنت أن الحروب ضد إسرائيل أفقد الدول العربيةالمجاورة لها مزيدا من الأراضي؛ بحيث وجدوا أنفسهم أمام ملفات الجولان وسيناءومزارع شبعة ومنطقة الغُمر الأردنية. إن الحقيقة التي فرضت نفسها على القادة العربهي أن ما تحقق بالسلام مع إسرائيل لم تحققه الحروب ضدها. فقد استرجعت مصر ولبنان والأردنأراضيها باتفاقيات السلام وليس بالحروب وحمل السلاح.

إن إصرار حماس على حمل السلاح لم يحقق للفلسطينيين أي مكسب سياسي ولمينتزع لهم أي حق مادي ولا حرر لهم شبرا من الأراضي. بل جر عليهم القتل والدماروالتهجير ففقدوا ما لم يفقدوه طيلة حروبهم ضد إسرائيل. فحين تغيب الواقعية والحكمةعن قيادة المقاومة تحصل الكوارث والمآسي. وها هي حماس، وبعد عشرات الآلاف منالقتلى والمفقودين والمعطوبين والدمار الشامل لقطاع غزة، تفاوض فقط من أجل وقفالحرب وإدخال المساعدات الإنسانية.

إن ما يجمع حركة حماس بعصابة البوليساريو هو افتقارهما إلى الواقعيةالإستراتيجية التي تسمح لهما باقتناص الممكن وحسن استثماره قبل فوات الأوان.فكلاهما لم يستخلصا الدروس من تخلي فصائل مسلحة عبر العالم عن سلاحها بعدما أدركتألا جدوى من حمله كما هو الحال بالنسبة لحركة فتح الفلسطينية، وحزب العمالالكردستاني (PKK) في تركيا، والقوات المسلحة الثورية الكولومبية (FARC).

لا شك أن الارتهان إلى قوى خارجية في اتخاذ القرار يقود حتما إلىالخسران أو الاستسلام. وهذا حال عصابة البوليساريو التي تحولت إلى أداة لخدمةأعداء المغرب. إذ لم تستوعب التحولات الجيوسياسية ولا الانتصارات الدبلوماسية التييحققها المغرب عبر تزايد التأييد الدولي لموقفه ولمبادرة الحكم الذاتي. فكما أضاعتحماس فرصة اتفاقية أوسلو، أضاعت جبهة البوليساريو فرصة الحكم الذاتي. إنه العمىالسياسي الذي يصيب قيادة أي حركة لا تملك قرارها. وهذا ما تعاني منه عصابة البوليساريوالتي أرادها صانعها “بومدين” أن تكون حجرة في حذاء المغرب فصارت دبابيس في أحذيةحكام الجزائر. لم تدرك العصابة أن المنافذ التي كانت تستغلها في تهريب السلاحلمحاربة المغرب أغلقت بعد التحولات السياسية والعسكرية التي تعرفها دول الساحل،وكذا قرار السلطات الموريتانية منع تسلل عناصر البوليساريو إلى أراضيها لمهاجمالمغرب. وما يزيد من عزلة الجزائر وانحصار مشروعها الانفصالي ضد المغرب، التفافدول الساحل وموريتانيا حول المبادرة الملكية بمنحهم منفذا على المحيط الأطلسي.

إن النجاح الدبلوماسي للمغرب وكذا تفوقه العسكري وتحكمه في مراقبةحدوده الشرقية والجنوبية ضد تسلل عناصر البوليساريو، عوامل تعجّل بطي ملف الصحراءوإضاعة آخر فرصة يمكن لعصابة البوليساريو استغلالها لفائدة محتجزي تندوف حتىيعودوا لحضن الوطن وينخرطوا في دينامية البناء والتنمية.