تحليل

لغة التهييج أنتجت خطاب الكراهية والتعصب بين الجماهير

سعيد بلققير

قبل الديربي البيضاوي، اعتلى الصحافيون والسياسيون والفاعلون في شؤون الكرة والناس صهوات المنابر وخاطبوا الجماهير بلونيها الأخضر والأحمر وأذنوا فيهم " حي على الحضور"، الجماهير كفرت بعقيدة التشجيع ولم يعد "دونور" في عرفها قبلة يولونها وجوههم.

قدم كثير من الزملاء استقالتهم من مهامهم الرئيسة وتحولوا إلى "حياحة" انتخابات، يوزعون منشورات الديربي أثيريا وافتراضيا وهم بذلك كانوا يصبون زيت الإلحاح على نار العصيان الرياضي.

هو في آخر المطاف "ديربي" آخر باهت سبقته ديربيات عافتها كل الملاعب البعيدة والقريبة

هو ديربي آخر لا يحمل من الديربي غير اسم الفريقين.

ديربي تسكع بين الملاعب، تتلقفه مدينة وتلفظه أخرى لدواعي أمنية.

ديربي هربته القرارات من معقله الأسطوري، ديربي صدر في حقه قرار نزع ملكية وقرار إفراغ من الهوية والحب.

تمسكت الفصائل بحقها في المقاطعة، وتمسك المسؤولون بحقهم في حشو الملعب بما يناسب النقل التلفزيوني.

مباريات كرة القدم لا معنى لها بدون جماهير حقيقية تعرف فريقها وتحفظ تفاصيل الديربي منذ البدء، جماهير الكرة تختلف عن جماهير الأعراس والحفلات الغنائية، جماهير الكرة تعرف متى تطلق العنان للحناجر، متى تكون سندا للفريق ومتى تكون عبئا على الغريم.

سيقول قائل إن كثيرا من الهدر الأخلاقي كانت المدرجات مسرحا له، وإن كثيرا من الدماء سالت على جوانب الملعب، لأن جماهير الكرة حادت عن مسار التشجيع واختارت درب الترويع.

تلك آفة نسأل عليها جميعا، ولن يكون تهريب المباريات من موطنها حلا، ولن يكون منع التنقل سبيلا، بل وجب العمل على بناء وعي جديد يحاكي ما كان سائدا من مودة في الأيام الخوالي حين اختلطت الجماهير بألوانها في المدرجات، وعلى الإعلام أن يلعب دوره الحاسم في هذا البناء، لأن التاريخ يشهد أن تحرير قطاع الإعلام وتناسل المنابر والمحطات والمواقع جر معه ويلات على المدرجات، لغة التهييج أنتجت خطاب الكراهية والتعصب بين الجماهير واستفحل الأمر ليصاب اللاعبون أيضا بعدوى السقوط الأخلاقي، وتناسوا هز الشباك وابتلوا بهز الرأي العام الرياضي.

أمس، غابت جماهير الكرة "المشاغبة" وحضرت الجماهير "الودودة" لتملأ الفراغ العظيم، وكأن الديربي تحول إلى سيرك يقدم عروضه المتكررة والرتيبة، في ملعب ضاعت هويته المعمارية وملامحه الأولى بسبب عمليات التجميل الكثيرة التي تعرض لها، عمليات استنزفت المال العام دون تسريبات تنشر الأرقام والأسماء.