في قلب مدينة فجيج، تنتصب الصومعة الحجرية شامخة بارتفاعها وهندستها الفريدة، التي تعكس عبقرية المهندسين القدماء، في مشهد حي على الهوية الثقافية، والتراث العريق الذي تتميز به المنطقة.
وتعد هذه الصومعة، المشيدة في قصر الوداغير، بالحجر المحلي الذي يضفي عليها مظهرا أصيلا ومهيبا، وفق تصميم يعكس بساطة البناء ومتانته، إحدى أبرز المعالم التاريخية والمعمارية بجهة الشرق، ورمزا للهوية الثقافية والتراث المعماري بالإقليم، وتحفة فنية تبرز قدرة الإنسان على التكيف والإبداع في بيئته.
وتتكون هذه المعلمة الأثرية، التي يبلغ ارتفاعها حوالي 19 مترا، من قاعدة مربعة متينة تتحول تدريجيا إلى شكل ثماني عند الارتفاع، مكونة برجا شامخا يلفت الأنظار من مسافات بعيدة، في تصميم هندسي فريد يظهر جمال المعمار الإسلامي. وتتزين جوانب الصومعة الحجرية، التي تم بناؤها في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، بنقوش بسيطة وزخارف هندسية متناغمة مع الطابع العمراني المحلي، فيما تظهر فتحاتها الصغيرة توزيعا متناسقا للضوء والهواء، مما يمنح الداخل إليها إحساسا بالهدوء والسكينة، ويضفي عليها طابعا عمليا ومعماريا فريدا. وتحظى الصومعة برمزية دينية وروحية عميقة لدى ساكنة المنطقة، حيث ارتبطت بشكل وثيق بحياتهم اليومية، وكانت منارة للذكر، ومكانا للصلاة والاحتفال بالمناسبات الدينية، ولعبت دورا بارزا في الحفاظ على التعاليم الإسلامية؛ ما يجعلها جزءا أساسيا من الذاكرة الجماعية لساكنة فجيج الذين يقدرون قيمتها الحضارية والدينية. وترجع أهميتها، أيضا، لكونها كانت تستخدم كبرج مراقبة لحماية المدينة من الغزاة، ما يجعلها شاهدا حيا على التاريخ العريق للمنطقة، ومعلما يجسد روح الحضارة الإسلامية وتطورها. وأبرز عضو جمعية فجيج للتراث وثقافة الواحات، الطيب الجابري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الصومعة الحجرية تعتبر من أقدم المآثر التاريخية المتواجدة بمنطقة فجيج، مؤكدا أن تاريخ تأسيسها يرجع إلى سنة 542 هجرية. وأوضح أن الصومعة ب نيت على مرحلتين، الأولى تمتد إلى سنة 613 هجرية، حيث تم بناؤها على شكل مربع بارتفاع يصل إلى 5 أمتار، والثانية بعد مرور 70 سنة حيث أمر شرفاء الوداغير بإتمامها لتتخذ شكلا هندسيا شبه دائري يبلغ ارتفاعه 19 مترا، مشيرا إلى أن هذه الصومعة تختلف عن باقي الصوامع بالمملكة، إذ تم تشييدها بشكل كامل بالحجارة والطين والجير. وأشار الطيب الجابري إلى أن فجيج تتميز بتنوع أنواع العمارات، حيث تتوفر على عمارة المساجد، والزوايا، والأضرحة، والحمامات الباطنية، إضافة إلى العمارة العسكرية التي تظهر في الأبراج والأسوار لحماية قصور المنطقة. وأضاف أن معظم البنيات بمنطقة فجيج، تم إنشاؤها بواسطة طين فريد تتميز به المنطقة دون غيرها، إضافة إلى استخدام الحجارة، والجير. كما تمت الاستعانة بأغصان شجرة الدفلى، وخشب أشجار النخيل في بناء الأسقف والنوافذ. ولفت إلى أن فجيج تتميز بأزقتها المتنوعة، إذ تجد الأزقة النافذة، وغير النافذة، والمكشوفة، والمغطاة، حيث كان لكل زقاق دور معين، كما أن المنازل، التي يمكن أن تتكون من طوابق تصل إلى ثلاثة، تتوفر على غرف مستقلة بأبواب خاصة لاستقبال الضيوف، وأخرى مخصصة للتخزين. وأوضح أيضا أن المنطقة، تتميز بالعمارة المائية، إذ تتوفر على حوالي 36 عينا للماء، وعدد من الحمامات الباطنية، وأهمها “تيط نحفصة” بقصر الوداغير، الذي بني في العهد المريني خلال القرن السابع الهجري، والحمام الفوقاني (تاجمالت) وهو من أقدم هذه الحمامات. وأبرز أن لهذه المنشآت المائية دور خاص، بحكم تواجدها قرب المساجد للاستحمام والوضوء، وكانت بمثابة مغاسل عمومية تقصدها النساء لغسل الملابس، إضافة إلى رمزيتها الثقافية حيث جرت عادة العرسان أن يستحموا في هذه الحمامات قبل موعد الزفاف، طلبا للبركة، وهي عادة مازالت مستمرة ببعض القصور. وشدد على ضرورة العناية بتراث المنطقة خاصة وأن عددا من المآثر تتعرض للتصدع، مشيرا في هذا الإطار إلى أن مسجد الحمام التحتاني، الذي يعتبر من أقدم المساجد بالمنطقة، إذ يفوق عمره 9 قرون، ويحتوي على عمارة تقليدية إسلامية مهمة جدا، أصبح مهددا بالسقوط. ومن جانبه، أشار عز الدين بن عبد الحق، أحد ساكنة قصر الوداغير، إلى أن السكان عملوا على توفير الوسائل الضرورية للمسجد، وسد حاجيات ملحقاته، عبر تخصيص أحباس تؤدى منها أجرة الإمام والمؤذن، وأخرى خصصت لطلبة العلم، وتلبية حاجات عابري السبيل، إضافة إلى الأوقاف التطوعية الأخرى. وتبقى الصومعة الحجرية بفجيج، بما تمثله من جمال وعمق إنساني، وما تحمله من قيم روحية، ورمزية تاريخية، شاهدة على تاريخ وحضارة المنطقة، وإرثا حضاريا يتطلب الحفاظ عليه باعتباره محطة بارزة للباحثين والزوار المهتمين باكتشاف جواهر التاريخ والمعمار المغربي الأصيل.