قضايا

متَى نَنْهَض من غَفْلَتِنا إذَن !!؟

صلاح بوسريف (شاعر وكاتب مغربي)

لا أفهم، بأيّ منطق، أو بأيّ وعي ورؤية نتأمَّل الأشياء ونقرأ ما وراءها من رسائل، حينما يتعلَّق الأمر بشخص لنا به علاقة. فقط، لأنَّه صديق، أو لنا معه صلة، أو مصلحة ما، نَهُبّ لمُؤازرته، دون أن نقرأ الرسالة من مظروفها، أو من عنوانها بالأحرى.

هذا النوع السُّلوك، هو فِكْرٌ شرع ينتشر عندنا بشكل واسع، وهو منتشر عند السِّياسيين، وفي الأحزاب والنقابات والجمعيات، ولا أعفي المثقفين والفنانين منه، وكأنَّ لا أحد بقي له وَقْتٌ ليتساءل، ويُدقِّق، ويتقصَّى، لماذا حدث ما حدث، وما خلفياتُه، سواء أتعلَّق الأمر بامرأة أو برجل، فهُما سيان، وكفى من اعتبار النقد، والاحتجاج على امرأة، مثلاً، أنَّه نقد، واحتجاج على كُلّ النِّساء، فهذا غلط وتعميم فيه تعويم مُبْتَذَل، لا يُسَاغُ، فيما المُساواة التي نسعى إليها، أو نُدافع عنها، ونُنادِي بها، لا تكون في شيء دون آخر، بل تكون في كُلّ شيء، وعند الجنسين، وإلّا سنكون مُلَفِّقِين، أو ما زلنا نَشُكُّ في أهلية المرأة، وجدارتها في الدِّفاع عن نفسها، وفي تبرير اختياراتها، وما تتَّخِذُه من موقف، أو تُدْلِي به من رأي. وليس لأنني ذَكَر، فحرام عليَّ أن انتقد أنثى، فهذا ازدراء للمرأة، قبل أن يكون ازدراء للرجل، وهو غير مقبول، وغير معقول على الإطلاق.

المناصب، كما صرنا نراها في كثير من الوزارات، وفي كثير من المهام، في ظِلِّ الحكومة الحالية، هي غنائم، كما هي ريع، أو ضَرْبٌ من الرِّيع، كعكة تقتسمُها الأحزاب المُتحالِفَة، وكُلّ حزب، لِيُرْضِي المنتسبين إليه، أو من ترشَّحُوا باسمه في الانتخابات ولم يصلوا إلى شيء، يضع هؤلاء فيما يُتاح من وكالات، ومن مناصب ومهامّ، وهذا الظاهر، أمَّا الخفِيّ الذي لا يبلُغُنا فهو أعظم، بمن فيه من يتوسَّلُون المناصب من الأحزاب المُعارِضَة لِفُلانٍ أو لِعَلَّانٍ.

وإذن، فحين نُدافع، أو نسعى إلى تبرير منصب لشخص ما، مهما كان جنسُه، لا بُدَّ أن نفكر في طبيعة المنصب أو المهمة، وفي خطرها على المُؤسسة التي فيها هذا المنصب أو المهمة، وفي الحاجة المَاسَّة إلى هذا الشخص دون غيره، وفيما له من علاقة بالمؤسسة أو «الوكالة»، وهل البلاد خَلَتْ ممن يمكن هُم قيمة، بالفعل لا بالقوة، لهذا المنصب أو تلك المهمة، فالتعليم، بشكل خاصٍّ، لا يحتمل الترقيع، والتقسيم، والتَّرْضِيَّة، أو جَبْر الخواطر، لنضع من هَبَّ حيث لا ينبغي أن يكون، ولا علاقة له بالمدرسة، ولا بالتعليم العالي، والمدرسة، بكُلّ مستوياتها، تعيش في وضع بئيس، طاوله اليأس، واسْتَشْرَى فيه الخَلَل، أحرى أن نأتي إليه بصانع حلويات، أو بغيره ممن لهُم مجالاتهم التي يعملون فيها، وهي بقدر مقاسهم، أما حين نُوَسِّع الثوب أكثر، فهو يصبح عَراءً، لأنَّه يصير عُرْضَةٍ للرِّيح التي تكشف الجسم في عرائه، وهي تُطَوِّحُ به في كُلّ اتِّجاه.

لا يمكن أن نسير بالبلد إلى ما نصبو إليه من تقدم، ورفَاه، ومن علم ومعرفة وفن، ومن مجتمع مُتماسك، الإنسانُ فيه هو قيمة القِيَم، وأن يكون هذا الإنسان هو الرأسمال الذي نُقَدِّر قيمتَه، ونضَعُه حيث يكون جديراً بالمنصب والمهمة، لا أن نعتبر الأمر فُرْصَةً لاقتسام غنيمةٍ ما، وكأنَّ الوزارة، والمسؤولية في الوزارة، أو في الحكومة، هي غنيمة حرب، ومن حَرَّرَ يُقَرِّر، كما هو الشِّعار الذي عبََّر عنه من طردوا النِّظام في سوريا من البلاد، ما لم نقرأ الرسائل بما تُضْمِرُهُ. مثل هذا المنطق لا يستقيم في ظل دولة تسير بقوانين وأعراف الدولة الحديثة، ولا يقبله العقل، ولا يمكن أن يكون في صالح التنمية، والاستقرار، بل سنبقى نُؤجِّل مواعيدنا مع التَّقَدُّم والرُّقِيّ، ومع ذلك الإنسان الذي يكون الحَل، بدل أن يكون المشكلة، أو يَحُلُّ غيره في مكانه، دون أن يكون جديراً بهذا المكان. فمتى ننهض من غفلتنا، إذن !!؟