ولعل ما يرجح هذا الخيار، وجود عدد من المعطيات والوقائع التي تؤكد في مجملها، أهمية خيار الاستثمار المشترك في الحدود الاقليمية للبلدين:
1- خلال غشت من سنة 1994 احتضن معهد اسبين بولاية كولورادو، ورشة للتفكير في طبيعة الحروب المحتملة، بعد الحرب الباردة، الورشة تميزت بحضور نوعي لعدد من وزراء الخارجية السابقين والمفكرين، من بينهم ماركريث تاتشر جيمس بيكر،برنارد كوشنير ،وجاك اتالي ،خلال هذه الورشة، قال هذا الأخير، أن الحروب المقبلة، ستكون مزمنة، وسترتبط في العموم. بالمناطق البدوية،حيث لازالت القبيلة هي البنية المعبرة عن أشكال الهوية....
والمتأمل اليوم لطبيعة النزاعات المزمنة، التي تخترق القارة الأفريقية، سواء بالساحل والصحراء أو بمنطقة البحيرات الكبرى أو بالسودان واتيوبيا، سيدرك بالفعل أن هذه الفرضية أصبحت واقعا مؤلما عصيا على الحل من طرف المنتظم الدولي....
2- إن القرارات الصادر عن مجلس الأمن، في موضوع النزاع الإقليمي بالصحراء، كانت ولازالت ،تستند إلى الرغبة في حماية الامن والسلم الدوليين، وبالتالي فإن كل الاعتبارات والديباجة الموجهة، لقرارات مجلس الأمن، أكدت على ضرورة الربط بين إيجاد حل سياسي للنزاع في الصحراء، وما يوفره هذا الحل من امكانات للبناء المشترك في الفضاء المغاربي، ويفتحه بالضرورة من فرص وافاق للساحل والصحراء...
3- فشل كل الجهود الغربية التي استندت إلى مقاربة أمنية، بخصوص تجمع الساحل والصحراء،ذلك انه، ومند الغزو الفرنسي لشمال مالي، بدعوى مواجهة الحركات الاسلاماوية، بشمال مالي وما تلاه من جهود فرنسية -أمريكية، في اتجاه خلق تحالف أمني عسكري ،للتصدي لما سمي بالدولة الإسلامية أو القاعدة في الغرب الاسلامي، ظلت هذه"الجهود" محصورة في السعي لتمويل وتجهيز القوات التابعة لمجموعة الساحل والصحراء لمواجهة، بل ان هذا التمويل ضل عاجزا على تجميع مبلع 400 مليون دولار...بينما سؤال التنمية الإنسانية، كان مغيبا من الاجندة السياسية ،ولما فكرت مجموعة الساحل والصحراء ،في دورتها التي عقدت في نواكشوط في مشاريع للتنمية بغلاف مالي ،قدر حينئد ب2 مليار يورو... كانت المنطقة ،قد دخلت في حسابات وتناقضات مركبة، ستدفع بشكل تدريجي نحو، انبعاث روح أفريقية رافضة للهيمنة الفرنسية،الان هذه الروح وما وما ولدته من رغبة في تحرير للقرار السيادي، ستصطدم بضعف النخب وسيادة بنى قبلية، تنتمي لما قبل الدولة،مما وفر ظروفا مناسبا لعودة العسكر إلى الواجهة، بمبرر استعادة القرار السيادي لدول الساحل والصحراء.
4- إن المغرب كان ولازال يدرك أهمية إيجاد حل سياسي،يسهم من جهة في تحصين السلم والامن الدولين، يفتح افقا جديدا للبناء المغاربي، وفرصا متجددة أمام تجمع الساحل والصحراء، ذلك ما يظهر بشكل ملموس من مبادرة الملك محمد السادس، سواء تلك المرتبطة بالتجمع الأطلسي وانوب الغاز، الرباط، ابوجا، أو بالساحل والصحراء....
5- من الناحية العملية أن المغرب وهو يبادر إلى انشاء الميناء الأطلسي، كمنصة للربط انطلاقا من الصحراء ،كان بإمكانه، أن يشيد الميناء، في نقطة متقدمة على الحدود الموريتانية المغربية، ولكنه ولدواعي بعث رسائل الاطمئنان إلى الأخوة في موريتانيا، اختار أن يشيد الميناء شمال مدينة الداخلة وليس بجنوبها...
6- عمليا وإلى اليوم وبفعل استمرار النزاع الإقليمي حول الصحراء، فإن المغرب وموريتانيا لا يتوفران على ترسيم للحدود بينهما، عدا تلك الحدود التي كانت قائمة في الاتفاق الثلاثي، والتي انسحبت منها موريتانيا بشكل إرادي وطوعي، بعد الانقلاب الذي رعته الجزائر وفرنسا....
7- لا يمكن أن ننسى بمناسبة الحديث عن اشكالات الحدود انه ،وقبل الانقلاب في موريتانيا وانسحاب هذه الاخيرة من واد الذهب، كانت فرنسا، قد روجت لمشروع ،يقتضي اعتراف المغرب بجبهة البوليساريو، على أن تدخل هذه الاخيرة في نظام كونفدرالي مع موريتانيا، بعد حصولها على وإد الذهب، كما كان المشروع الفرنسي روج، حينئد، لاحداث تغير على مستوى تعديل على الحدود، ببئر موكراين، بحيث تصبح للجزائر حدود مباشر مع الإقليم، ويمنح المغرب للجزائر ممرا إلى المحيط الأطلسي demain lafrique عدد نونبر 1978.
8- إن حرص المغرب، مند استرجاع واد الذهب ،على عدم الدخول إلى شبه جزيرة الكويرة، كان يستند إلى قناعة راسخة، بأن المملكة المغربية، لا ترغب في الأضرار بالوضع الموريتاني، علما أن أي استثمار مغربي احادي للكويرة، كان سيحكم على نواديبو بالكساد الاقتصادي، لذلك اختار المغرب ان تبقى الكويرة، مغربية في حدود ،ما تروجه نشرات الارصاد الجوية بشكل يومي...
9- إن رهان المغرب على جعل إقليم الصحراء، منصة للربط اللوجستي الأطلسي والمغاربي،المفتوح على الساحل والصحراء، يمكن أن تتحقق انطلاقا من دخول البلدين الشقيقين، في تبني مشاريع استثمارية ضخمة مشتركة تستجيب لطموح شعوب المنطقة، بعيدا عن منطق التعصب الترابي، الذي لا يوظف مع كل أسف في محيطنا الإقليمي، الا في سياق حسابات الحكم الشمولي المستبد ،الذي يسعى إلى تمديد العمر الافتراضي لعمليات اختطاف ارادة الشعوب المغربية، بالاختباء، طبعا وراء مبادئ براقة، ليست بالضرورة حقيقية...
10- إن الحلم بنجاح الفضاء المغربي في التحرر من المواقف البالية والتفرغ للقضايا المصيرية المرتبطة بالتنمية الإنسانية والعيش المشترك، بما في ذلك فتح ممرات للاقتصاد الجزائري نحو أقرب النقط بالاطلسي، لا يوازيه الا حلم اخر هو إلا تتحول هذه المشاريع الكبرى المشتركة، إلى مجرد استعمار جديد بالوكالة،بقدر ما يجب التفكير بشكل جدي، إلى جانب الاستثمارات الدولية،في إيجاد صيغ مبتكرة،من حيث التمويل والمواكبة، لتمكين الأقتصاد المحلي، سواء بموريتانيا أو بالمغرب والصحراء، من المشاركة الفعلية في بناء المستقبل المشترك، القائم على الندية والاحترام المتبادل.... ويكفي أن نذكر في سياق هذا الحلم ،أن الالزاس واللورين، التي كانت مصدر حرب مدمرة بن فرنسا وألمانيا، تحولت، إلى مصدر للبناء المشترك.