كيف يمكن للصخب والمظاهر الزائفة أن تداوي جراح الفقر أو تجلب المعرفة لمن يئن تحت وطأة الأمية والبطالة؟ فنحن شعب يعيش تناقضات صارخة؛ مدن وقرى تتباهى بمهرجاناتها البراقة تحت لواء سياسي عكر، بينما أحياؤها و دواويرها تئن تحت ثقل الجوع والبرد، و الفلاحون في يطاردون لقمة العيش في مواسم جافة بدون هدف ولا نتيجة ... بينما جل اهالينا يعيشون أزمة سكن و بطون خاوية.
بين الزقاق ، تسمع صراخ الأطفال يطلبون ما يعجز الأهل عن توفيره، بينما زفي المدن المجاورة تقام حفلات بملايين الدراهم، تنثر فيها الأموال بلا حساب وكأنها على أرض غير الأرض... وكانهم اناس غير بشر... أيُّ معنى لهذه المفارقات، ونحن مقبلون على نظرة مياه و جوع مرتقب؟ ... تعني بالجوع هنا ليس بجوع بالطون فقط بل وايضا جوع عقول تبحث عن التعليم الجيد، وشباب يريد فرص عمل تحفظ كرامته، وأسر تطلب العيش الكريم دون مذلة.... منازل تاويهم من برد مرتقب وقريب.... لا داعي لذكر التفاصيل فاهل مصر أدرى بشعابها...
ما جدوى أن تكون الشوارع مضاءة بالألوان، بينما الطرقات المؤدية لهذه المدن والقرى ما تزال مظلمة وتزداد عتمتها كلما احتدت وتفاقمت الظروف ... عتمة لا يراه سوى من تخطى التفكير الرجعي الهمجي والجائر؟
ما فائدة العروض الهوسيقية الفاخرة، بينما لايزال لدينا قبائا و دواوير لا تزال منكوبة... وأطفالنا في أعالي الجبال لا يزالون يمشون بحذر كيلومترات على الأقدام لأجل الوصول إلى مدارسهم ومطلع الفجر ...مدارس قد لا يجدون فيها مدفأة ولا حتى كراسي كافية؟ نحن نعيش في زمن أصبح فيه البريق أهم من الجوهر، والواجهة أولى من البناء الحقيقي.
تسود اليوم التفاهة وتعتلي منابرا الصورة و الاشعاع الفارغ.... تسود وتتساط ليست فقط كاختيار فردي، وانا هنا لا الوم الافراد فقط، بل هي نتيجة لسياسات طاغية تعطي الأولوية لما يرى على السطح، متناسية ما يكمن في العمق.
تواصل تساؤلاتي واقول، كيف يمكن أن ننفق الملايين على المغاني، بينما المستشفيات تعاني من نقص الأودية والطواقم؟ كيف يمكن أن ننشغل بتنظيم مهرجانات عالمية، وشبابنا يقضي الساعات في المقاهي يقتل الوقت لأنه لا أمل لديه في الغد؟ كيف يعقل للجائع ان يتغنى والجوع يهدده ؟ كيف يعقل ان تقابل النخبة من سياسيين ومفكرين ودي العلم والفكر والثقافة هذا الجحود وامكر والتخلف بمثل هذا السكوت والامبالاة الجارحة؟
إن المغرب بحاجة إلى نهضة حقيقية تعيد ترتيب الأولويات كأن نجعل ونخبنا من التعليم استثمارنا الأكبر، ومن التنمية في القرى والبوادي هدفنا الأساسي. نحن بحاجة إلى استعادة الثقة في مؤسساتنا، وبناء سياسات تحترم كرامة المواطن بدلًا من استنزافه في سراب الرفاهية الزائفة.
ما أحوجنا إلى مشروع وطني حقيقي يتبنى قيمنا و اصولنا و مبدأ المساواة التشارك في خلق واتحاد القرار... مشروع واحد فقط... يعيد للعقل مكانته وللإنسان قيمته. مشروع يجعلنا نتخلص من وهم البهارج ونعود إلى بناء المستقبل بيدينا....
مستقبلٌ يقف فيه المغرب شامخًا بأبنائه، لا بما يُستهلك من أموال طائلة على منصاة الرقص وشركات الاعوان المواكب بشكل سري لهذه المبادرة لاجل تبرير ما تم صرفه على هذه الاعراس السابقة لاوانها.