قضايا

الوزير و الفصل 28 من الدستور

المصطفى كنيت

لا أثر للفصل 28 من الدستور في المراسيم و القرارات، التي يصدرها وزير الثقافة والشباب والتواصل من دون أدنى مراعاة لمقتضياته، علما أنه أسمى قانون، و تنزيله يحتاج إلى استلهام روحه بعيدا عن الحزبية الضيقة، و انحياز لجهة ضد أخرى، ليس بهدف الرقي بممارسة المهنة، مهنيا و أخلاقيا، ولكن بهدف تحويلها إلى مجرد كتلة أجور و رقم معاملات، من دون أي التزام إزاء قواعد الممارسة كما هي متعارف عليها عالميا، ولا بتوابث الأمة.

و عوض أن يعطي القرار المشترك المتعلق بدعم الصحافة، وضعا اعتباريا للصحافي المهني، الذي يراكم التجربة و الكفاءة، و يمارس المهنة بقناعة و مسؤولية، اختار الانحياز للغة الأرقام لتوزيع دعم بئيس ( حوالي 265 مليون درهم)، و هو مبلغ أقل بكثير من الدعم الذي خصصته الحكومة لدعم مستوردي الأغنام بمناسبة عيد الأضحى، و مع ذلك ارتأى أن يتفنن في ابتداع الشروط، ليجعله حكرا على نفر من الناشرين.

و الواقع أن هذا المبلغ الهزيل المخصص للصحافة، هو في حد ذاته إهانة لهذا القطاع بالمقارنة مع ما لهفه دعم قطاعات أخرى من ملايير الدراهم من دون أي جدوى.

و لنعد إلى الفصل 28، الذي يقول:" تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به. يحدد القانون قواعد تنظيم وسائل الإعلام العمومية ومراقبتها. ويضمن الاستفادة من هذه الوسائل، مع احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي".

و من خلال هذا الفصل، فإن مهمة الحكومة هي تشجيع المهنيين، بدون استثناء، و بعيدا عن منطق الإقصاء، على التنظيم الذاتي، و ليس التدخل في شؤونهم، بإصدار المراسيم و القوانين، و جعل المال عصب حرب يتقاتل فيها الصحافيون على "غنيمة"، عوض خوض معارك فضح الفساد، الدفاع عن الثوابت و التصدي الإعلامي الرزين للهجومات الإعلامية التي تُخاض ضد البلد، و صورته، وتاريخه، و رموزه، بمهنية، وفي احترام تام لقواعد هذه الحرفة.

التوجه الذي يدفع في اتجاهه الوزير، يريد أن يكرس إعلاما على المقاس في خدمة الحزب و الحكومة والأشخاص، وفرض الوصاية، عوض التحفيز على التنظيم، و جعل بيض الصحافة في سلة السلطة التنفيذية.

إنه تقدير خاطئ، و على الذين أوحوا للوزير بذلك أن يتحملوا تبعات ما يترتب عنه، لأن محاولات الوزارة إسكات الأفواه، اليوم، لم تعد تجدي نفعا، بعد أن بدأ الجسم الصحفي يستعيد لحمته، و يستفيق من أوهام الدعم الحكومي الكاذب، ويعود إلى قواعده من أجل خوض معركة حقيقية للتنظيم الذاتي، بعيدا عن قبضة الحكومة.


المصطفى كنيت