تابعت خلال الأيام الماضية تعليقات على صفحة المدعو هشام جيراندو حول الأكاذيب التي اعتاد أن يطلقها مرات متعددة حول المغرب وشخصيات مغربية.
ولاحظت أنه يعمد إلى مسح الكثير من التعليقات التي تطلب منه الجواب على أسئلتي التي طرحتها في فيديوهات مباشرة على منصتي في اليوتيوب حول علاقة المدعو جيراندو بالمخابرات الجزائرية.
ومن الردود التي وجدتها تنتقدني على صفحته تعليقًا طويلًا حول المعلومات التي أدليت بها بخصوص علاقة جهات محسوبة على المخابرات العسكرية الجزائرية بالأكاذيب التي يطلقها جيراندو في قضية دور المغرب في تدبير الحقل الديني بأوروبا.
واكتشفت أن جماعة إدريس فرحان الموجودة في بلجيكا وهولندا هي التي تقف وراء تعليق طويل عن هذا الموضوع. وبدا لي أن إشارتي إلى الجزائري عمار بلاني، ممثل المخابرات الجزائرية السابق ببلجيكا، والسفير اليوم بتركيا، استفزتهم، لما قلت إن بلاني وراء وثيقة نشرها جيراندو تعود إلى سنة 2022 حول منع السلطات البلجيكية لجمعية تسمى اتحاد المسلمين ببلجيكا.
ولاحظت أن ما نشره جيراندو مجرد إرث من الأكاذيب التي ظل يرددها المدعو إدريس فرحان طيلة سنوات قبل اعتقاله، وفهمت جيدًا أن المدعو جيراندو يردد نفس أكاذيب الجماعة التي كانت مع إدريس فرحان، الذي كان مجندًا للدعاية ضد تدين المغاربة في إطار مخطط عسكري جزائري كبير يهدف إلى ضرب علاقة مغاربة أوروبا بحقل إمارة المؤمنين.
وبحكم جهل تلاميذ إدريس فرحان ووريثه المدعو جيراندو بأمور الشأن الديني لدى الجاليات المسلمة بأوروبا، فإن المسألة الرئيسية التي يجب أن يعرفها هؤلاء هي أن التدخل في الحياة الدينية والمجتمعية لدولة ما في أي قارة أو منطقة كانت، هو أمر صعب جدًا وفيه حساسية نظرًا لارتباط التوجه العقائدي بمسألة الأمن القومي للبلدان. وبذلك لا يمكن لأي دولة أن تفرض نوعية الدين أو بسط سلطتها عبر بوابة المساجد على نفوذ دولة ما، لأن ذلك قد يتحول إلى خرق لمبدأ عدم التدخل ومساس بسيادة الدول.
لذلك، فإن هامش التحرك يظل ضيقًا، ويحتاج إلى فهم عميق وشرعية كبيرة للدولة التي تدير الشؤون الدينية لجاليتها في العالم. وهنا ينبغي التوضيح لتلاميذ إدريس فرحان ووريثه جيراندو أن دور المغرب في تدبير الحقل الديني في أوروبا أوفي أي دولة مهما كانت قوتها أو وزنها يهدف بشكل أساسي إلى المحافظة على روابط مغاربة العالم بوطنهم الأم وبولائهم لأمير المؤمنين نصره الله. ومن جانب آخر، فإن المغرب يحاول نشر تجربته الدينية مع البلدان الإفريقية بشكل رئيسي، بهدف محاربة التطرف والتشدد الديني العنيف واقتلاع جذور الإرهاب من منابعه، من خلال التكوين والتأطير والإرشاد ونشر الأمن الروحي، عبر بوابة المؤسسات الدينية كالتزام روحي، وعبر المساجد كالتزام ديني من المغرب تجاه عمقه الإفريقي، بهدف خلق تنمية روحية من منطلق ديني واضح المعالم.
وتزداد صعوبات تدبير الشأن الديني في أوساط الجالية حسب طبيعة المجتمعات والدول. فالمجتمعات الأوروبية مثلًا هي لائكية علمانية بالنظر إلى تعدد الديانات والثقافات، وبالنظر إلى أن هذه الدول تفصل الديني عن السياسي.
فالمغرب يقوم بمجهودات داخلها في تقاسم نموذجه الديني السمح المعتدل القائم على أركان مؤسسة إمارة المؤمنين لسببين اثنين: أولًا، بيان مبادئ الدين الوسطي من أجل نزع الصورة السلبية للإسلام، التي توجد في أذهان الأوروبيين، وهي صورة أن الإسلام «دين تطرف وإرهاب وقتل الأبرياء». وبذلك تكون المملكة المغربية الشريفة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقوم عبر قنوات متعددة بعمل كبير في الشأن الديني ينفذ إلى المجتمعات الأوروبية ليظهر أن الإسلام هو دين سلام وتسامح وتعايش وخلق جسور الحوار بين الأديان والحضارات في ظل احترام تام للمجتمعات الإنسانية ولمختلف الثقافات.
هذا هو المنهج الذي يروم المغرب تحقيقه في البلدان الأوروبية بالذات وباقي البلدان في أمريكا اللاتينية وآسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وفق التعليمات والتوجيهات السامية لأمير المؤمنين نصره الله.
والأمر الهام هنا، هو أنه بالنظر إلى كون جلالة الملك أميرًا للمؤمنين وليس أميرًا للمسلمين، فالمعنى الروحي العميق هنا أنه أمير للمؤمنين في الديانات الثلاث، يسهر على حفظ الشعائر الدينية لكافة الأفراد داخل المجتمع باختلاف ديانتهم، وخلق روح الانسجام بين مختلف المكونات الدينية بهدف تحقيق السلام ونبذ كل أشكال النزاع والتطرف العنيف.
وعليه، فإن الأمر الذي ينبغي أن يعرفه تلاميذ إدريس فرحان ووريثه المدعو “هشام جيراندو” هو أنه لا دولة في العالم قادرة على فرض ديانة معينة على دولة أخرى، مهما كان نوعها وحجمها، لأن الأمر هنا يدخل ضمن الأمن القومي للبلدان. وبذلك فالأصل هو مجهود مغربي تحت إشراف فعلي من أمير المؤمنين نصره الله عبر المؤسسات الدينية المغربية (وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المجلس العلمي الأعلى، مؤسسة دار الحديث الحسنية، معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية، معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة).
وتسهر هذه المؤسسات الدينية على تنزيل منهجية عمل تهدف إلى إشعاع الدور المحوري لإمارة المؤمنين وبيان معالم ومبادئ الإسلام الحقة البعيدة كل البعد عن ما هو معروف عن الإسلام من روايات خاطئة في المجتمعات الغربية الأوروبية منها والأمريكية.
ونجاح هذه المؤسسات الدينية المغربية يزعج بشكل مباشر أعداء المغرب الذين قاموا بتجنيد أشخاص مثل تلاميذ إدريس فرحان ووريثه المدعو جيراندو وآخرين، وضعت لهم المخابرات الجزائرية مخططًا لمحاولة تشويه المؤسسات الدينية بإطلاق بروباغندا تضليلية حول كل ما هو مرتبط بهذه المؤسسات من شخصيات دينية ودبلوماسية وأمنية.
ولا يمكن لهذه البروباغندا التضليلية أن تغطي الحقائق التالية:
– أولًا، اعتراف قيادة النظام الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية وإفريقية وعربية بالمجهودات التي يبذلها المغرب في المجال الديني، وبدور مؤسسة إمارة المؤمنين في نشر قيم الدين الإسلامي السمح عبر المجتمعات الغربية بشكل يتوافق مع قوانين هذه الدول.
– ثانيًا، أن الرواية التي يرددها تلاميذ إدريس فرحان ووريثه المدعو هشام جيراندو حول بعض المساجد والجمعيات في أوروبا أو بخصوص قرار المحكمة الإسبانية غير صحيحة، لأن القضاء الإسباني المتمثل في محكمة النقض بمدريد نشر حكم البراءة، وهو منشور إعلاميًا في صحف ومواقع إسبانية.
– ثالثًا، أن الصراع بخصوص المساجد في فرنسا كاذب وغير صحيح ولا دليل عليه بشهادة المؤسسات والأجهزة والإعلام الفرنسي والأوروبي. وإنما العكس هو الصحيح، فعلى سبيل المثال لا الحصر، منحت سلطات الجمهورية الفرنسية المسجد الكبير لستراسبورغ، ذا العمارة المغربية، علامة (label) “العمارة المعاصرة الاستثنائية” (Remarquable)؛ وهو المسجد الذي يعتبر من حيث المساحة المخصصة للصلاة الأكبر بفرنسا، كما يعتبر المغرب المساهم الرئيسي في تشييده وتمويله بأزيد من ثلاثة ملايين و900 ألف يورو، أي بنسبة 38 في المائة. كما أن ملكية المسجد تابعة لوزارة الأوقاف.
وبناء على هذه المعطيات، بات من الواضح أن تلاميذ إدريس فرحان ووريثه المدعو جيراندو يعتمدون على ما يقدم لهم من طرف المخابرات العسكرية الجزائرية، والدليل أن ما يطلقونه من أكاذيب هو نفسه ما ينشر ويروج له في الإعلام العسكري الجزائري، ويضاف إلى ذلك ترديدهم لبعض المعلومات القديمة الخاصة بسوء تفاهم بين بعض المسؤولين في تسيير بعض المساجد والتي تم حلها في حينه. فأقوالهم غير صحيحة، ولا دليل على ما استندت إليه، فالأمر مجرد بروباغندا تضليلية استعملها أعداء المملكة بهدف الابتزاز والنيل من سمعة المغرب.
إضافة إلى هذا، فالذي ينبغي أن يعلمه تلاميذ إدريس فرحان ووريثه المدعو “هشام جيراندو” أن المغرب يقوم بتعاون في الملفات الخاصة بتسيير الشأن الديني في إطار واضح وشفاف، وبتنسيق حكومي بين مؤسسات وأجهزة حكومية للبلدان التي يتعاون معها بوضوح وشفافية وطموح في خلق شراكات هادفة ومتميزة في نشر السلام والتسامح والأمن الروحي المشترك وتحصين المواطنين الأوروبيين الذين يعتنقون الإسلام، ليس كما تفعل بعض الدول، وعلى رأسها إيران الشيعية والجماعات الإسلامية المتطرفة التي تسعى إلى نشر تعاليم الدين السياسي والتشدد وبسط السيطرة على المساجد بطريقة خبيثة تهدف إلى نشر خطاب العنف وخطاب الكراهية والتطرف والإرهاب ومعاداة السامية التي يبدو أن تلاميذ إدريس فرحان ووريثه المدعو هشام جيراندو يرددونها بوعي أو عن جهل، قد يسقطهم بسهولة في فخ جرائم داخل الدول الغربية بمجرد تحريك دعوى حول خطاب الكراهية ومعاداة السامية.
ومن الواضح اليوم، أنها حرب ضد المغرب، وهي حرب تخاض من طرف المخابرات الجزائرية بمغاربة تم تجنيدهم، حرب خاطئة لأنها تؤكد بالملموس مكانة النموذج الديني المغربي وعلى التدبير الأمثل للحقل الديني من طرف المملكة المغربية في مختلف بلدان العالم، حرب ضد صورة المملكة المغربية التي تستضيف وتسهر على تنظيم كبريات المؤتمرات الدينية التي يحضر فيها القادة الدينيون، والمنفتحة على تلاقح الحضارات والإيديولوجيات وحوار الأديان والثقافات.
وبذلك، لم يكن غريبًا أن تستفز تلاميذ إدريس فرحان والمدعو جيراندو مسألة الكشف عن مصدر معلوماتهم الكاذبة، المعلومات التي قدمها لهم الدبلوماسي الجزائري المدعو عمار بلاني، صديق إدريس فرحان وصديق نور الدين بغداد سفير الجزائر بكندا، والوسيط الجزائري المدعو رافع الصديق القديم لإدريس فرحان وهشام جيراندو، وأن يستفزهم سؤال حول سكوتهم عن مسجد باريس وفضائح شمس الدين حفيز الجزائري عميد المسجد.
ولابد من تنبيه تلاميذ إدريس فرحان ووريثه المدعو جيراندو إلى حدثين يدلان على استحالة نجاح مخطط المخابرات العسكرية الجزائرية الرامي إلى ضرب صورة ومكانة المغرب الروحية والدينية:
الحدث الأول، أن عبد العزيز بوتفليقة عندما وصل إلى الحكم أراد إبعاد الجزائريين عن حقل إمارة المؤمنين فأسقطهم في التشيع الإيراني، ووقعت فوضى في الجزائر لدرجة أن الجزائريين اليوم بمجتمعهم ومعسكرهم لا يعرفون هل هم سنة أم شيعة أم شيوعيين لا زالوا في الحرب الباردة.
الحدث الثاني، أن وسائل التواصل الاجتماعي المغربية في تناولها الإعلامي لأحداث الجزائر جعلت وزير الخارجية السابق رمضان لعمامرة يخرج لصلاة العيد بلباس قريب من لباس المغول، وأن وسائل التواصل الاجتماعي المغربية نفسها لما تساءلت عن غياب المسؤولين الجزائريين عن صلاة الأعياد خرج تبون وشنقريحة إلى مسجد بوتفليقة الكبير مرغمين تحت الضغط الإعلامي المغربي وأقاما الصلاة فوق كرسيين في مشهد شبيه بالصلاة في الكنيسة.