أن يكون أول قرار يوقع عليه رئيس دولة، أعيد انتخابه، هو قرار تمديد القطيعة إلى جوازات السفر بمنع النقل والسيولة لكل من يحمل جواز السفر المغربي، فهو خطوة ليست عادية، بل يمكن اعتبارها عتبة لعداء أكبر قد يلامس الحرب.
لو لم تسبقها خطوات كثيرة غير ذات منطق…لقلنا هي كذلك.
لاسيما وقد سبقتها، في إبان الحملة الانتخابية مواقف وتحركات ونشاطات إعلامية عن تفكيك شبكة للتجسس، مغربية بطبيعة الحال، دخلت الجزائر خصيصا لإفساد الانتخابات الرئاسية!.
وبالرغم من أن دولنا في الشرق وفي الغرب العربي الإسلامي لم تكترث أبدا لإفساد الانتخابات في دول بعضها البعض، وذلك عمل تختص فيه روسيا والولايات المتحدة، وأحيانا الصين وإيران، فإننا مع ذلك اعتبرنا أن هاجس الاجتهاد الجيو انتخابي لايخلو من مسحة إخراج سياسي للربط بين سيادة الدولة الانتخابية والسيادة الترابية!
مع شق شعرة معاوية على أربع!
ومنذ ذلك، أعترف بأنني أصبت بحيرة مطلقة، في محاولة تفسير مواقف جوارنا الشرقي !
في البداية الأولى :قلت سأُلزِم نفسي بالجدية وأبحث عن أسباب معقولة لقرار الجزائر بفرض الفيزا.
عدت إلى ما كتبه المؤرخون وما خطته أنامل الجغرافيين وما تواتر عند الجيوسياسيين،وصدقت مثل عبد الله العروي مثلا أن الخاوة آمنوا إيمانا لا نظيرله بأن الحرب قائمة، وأن العدو لا يجب أن يتسلل إلى ما وراء خطوط النار، وأنه إذا السماء منعت، وإذا الحدود أغلقت وإذا البحار سُيّجت .. فإن ذلك ليس كافيا ولابد من جوازات السفر المحرمة لاستكمال الحيطة وتقوية الحذر..
قلت، زيادة في الجدية أتمعن في المبررات، التي عادة ما تكون هي ترتيب الأشياء المعقولة بمنطق الأحداث، وفيها يكوّن العقل تمريناته اليومية في الإقناع.
هكذا قرأت:
”النظام المغربي الذي أساء استغلال غياب التأشيرة بين البلدين
- قام بتنظيم شبكات متعددة للجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والبشر؛
- التهريب والهجرة غير الشرعية وأعمال التجسس؛
ـ نشر عناصر استخباراتية صهيونية من حملة الجوازات المغربية للدخول بكل حرية
قلت: ربما صار المغرب أدنى مما اشتهر به عالميا من ذكاء استخباراتي جعل الأمريكان والروس واليابانيين والأوربيين أجمعين، من فرنسيس وإسبان وبرتغال والعديد من الدول، تتعامل معه لأجل ذلك.
هذا المغرب الذكي قرر، أن يرسل أشخاصا يحملون جوازاته، وعليه سيكون المغرب قد أصيب بالغباء الاستراتيجي الاصطناعي الجديد، وبات يضع علامة على مواطنيه ليدل المخابرات والأمن والجيش الجزائريين عليهم!
وقد وصل بي المنطق إلى المعادلة التالية: اعطِهْ جواز سفر مغربي ليدخل به بلادا أغلقت الجو والبر والبحر، وطورت قدرات رهيبة في شم المواطَنة المغربية في كل شيء، طبيعيا كان أو مشبوها، من النيران في غابات القبايل إلى الماء في مجاري فجيج والجراد، إلى القرقوبي والكيف… إلى المهاجرين السريين.. إلى عملاء المخابرات المغربية… وانتظر منه ألا يظل محاولا، ويمارس الجاسوسية.
وتذكرت بأن الجزائر كانت قد اتهمت هي بدورها المغرب باستعمال بيجاسوس.. ولم يكن يحمل جواز سفر مغربي!.
ولعلي لن أخطئ إذا قلت بأن المغاربة، معروفون لديها قبل إغلاق الحدود، وأنهم يكونون في الجزائر وأن المطلوب هو أن تطلق حملة مطاردة بحثا عن جوازات السفر التي ستجدها عند المغاربة المقيمين في الجزائر، كورقة تهديد لعلها تراها تشكل سلاحا في يدها ضد المغرب، من أجل خلق مشاكل اقتصادية واجتماعية له، تماما كما فكر هواري بومدين في 1975 مع المسيرة. سننتظر فصول الحمق الواقعية التي يستطيعها نظام أهوج ومصاب بجذري الكراهية !.
في البداية الثانية: قلت لا بأس من تطعيم الجدية أعلاه بغير قليل من الخيال أدناه!
لماذا تلجأ دولة أغلقت الحدود البرية والجوية، ومنعت السفن والطائرات والمواشي والمطايا .. إلى منع دخول مواطنين أجانب يحملون جوازات سفر مغربية؟
إما أنهم مغاربة، وبالتالي ليسوا أجانب..
وإما أنهم أجانب، وبالتالي لهم إمكانية استعمال جوازات سفر بلادهم؟
وإذا كان المقصود التلميح إلى المغاربة في دولة إسرائيل، هل من المنطقي أن تتجسس دولة بمواطنين يحملون جوازات سفرها..؟
هل يحمل جميع المنحرفين الأجانب في التهريب والإرهاب والهجرة والجريمة جوازات سفر مغربية؟
هل جميع المنحرفين في التهريب والإرهاب والهجرة والجريمة من الأجانب، اذن… هذه السجون الجزائرية من يملؤها يا ترى؟..
البداية الثالثة: ألزمت نفسي أن أجيب عن السؤال المقلق الذي يساورني منذ بداية هذا السلوك العدائي الجزائري المستجد؟ وتساءلت بالفعل: هل عرفت حوليات الجوار أو أدبيات السياسة أو كنانيش التاريخ أو مصنفات الديبلوماسية حالة مثل هاته الحالة التي نعيشها مع جوارنا الشرقي؟.
استعنت في الجواب بخبرة أصدقاء ديبلوماسيين ورفاق مناضلين ومذكرات كبا ر السفراء والمفاوضين، وقرأت سيرة ابن هشام وابن الأثير، وقرأت الكامل من التاريخ، وعدت الى داحس والغبراء وتصفحت كتب ألف ليلة وليلة من جديد. وسألت شيخنا الجليل عمي غوغل أطال الله ذكاءه الاصطناعي وانغمست قليلا في ويكيبديا العالم.
فتحقق لي اليقين بأننا نعيش بداية الخلق مع جوارنا الكريم.
ولعلي كنت في حاجة إلى كتب تفاسير الأحلام وتأويل الرؤى وأضغاث الآمال من قبيل كتاب ”هواتف الجِنان” للخرائطي، وكتابي ”دلائل النبوة” لأبو نعيم،وتفسير الأحلام عند ابن سيرين وابن سيغموند الفرويدي وكتاب فارس نامة لابن بلخي.. وما وجدت ضالتي في ما شرد عن فهمي من أمور الجيران.
وقلت لعلي أجد تفسيرا في تفصيلات الحيوان والحشرات وعند هوام الفراش والحباحب ، وفي مساكن النمل وعند قطعان الحمير الوحشية،.. وما وجدت أليفا ولا وحيشا يقدم لي ما يرضي فضولي أو يطيب خاطري أو يُذهب عني ما غشيني من حيرة وسؤال.
وبينما أنا سادر في الحيرة، أقلب الأمر على جوانبه، وقد استبد بي الأمر وزاد التباس الأمر علي، إذا بشاب من شباب الحي،ممن اعتدنا تلقيبه بـ«الطائر الجوال» يشاركني بين الفينة والأخرى الجلسة حول براد شاي أو فنجان قهوة، ضربني على كتفي وهو يقول : تَاللهِ لقد عاقت بنا الجزائر.. فقد انتبهت إلى حيلتنا بتمديد صلاحية جواز السفر لعشر سنين ..وكنا سنرسل مزيدا من الجواسيس الأجانب مختفين وراء جواز سفر مغربي، ولهذا قررت منعهم قبل أن يفوت الفوت… حتى يمنع المغرب الجزائريين والاجانب الاذين يحملون جواز سفر جزائري من دخول المغرب لا سيما والتظاهرات الرياضية القارية والدولية في الأفق، وهذا هو المقصود من وراء ذلك !
فحَمدَلتُ وحوْقَلْت وقلت سبحان الذي أنطق الطير بلسان البيان وأفهمني ما استعصى عليَّ وعلى بلادي…وعلى الإنس والجان.!