قضايا

الزلزال.. لا جسر يربط بين لغة بلاغ الديوان الملكي وتصريحات الوزيرة!

عبد الحميد جماهري (كاتب وصحفي)
لا يمكن أن تتم إعادة النظر في كل ما تحصل من متابعة آثار الزلزال وتتبع نتائج برامج إعادة الأعمار، بدون أن نضع نصب أعيننا المعايير التي أسسها الملك لهذه العملية، من خلال البلاغات الثلاثة الرئيسية التي تم إصدارها عقب اجتماعات اللجنة المكلفة بمتابعة آثار الزلزال تحت رئاسة جلالته ، أيام 9 و14 و20 شتنبر.

 ولعلنا ما زلنا نستحضر الأساسات التي انبنت عليها العملية، وذلك حين أكد ملك البلاد على: 

– ضرورة أن يتم إجراء عملية إعادة الإعمار على أساس دفتر للتحملات، وبإشراف تقني وهندسي بانسجام مع تراث المنطقة والذي يحترم الخصائص المعمارية المتفردة.

 وهو بحد ذاته برنامج كامل ومتكامل، (بلاغ الديوان الملكي 14 شتنبر ).

 وتأكيد ملك البلاد على أن الاستجابة للوضع الاستعجالي يجب أن تكون ” قوية، سريعة، واستباقية مع احترام كرامة الساكنة، وعاداتهم وأعرافهم وتراثهم”.

  عند القول بالسرعة، يبدو الامتحان عسيرا بالنسبة للحكومة، حيث نسجل المعطيات الرسمية التالية: ألف أسرة فقط تمكنت من إعادة بناء منازلها من أصل قرابة 50 ألف بيت تعرض للضرر، كليا أو جزئيا، وذلك باعتراف رئيس الحكومة نفسه… 

وبهذا الإيقاع ( أي ألف منزل في عام، بشكل مجرد ) فإن إعادة إعمار كاملة لـ50 ألف ستتطلب…50عاما!!!

أما بالنسبة للتعليم، والتكوين، الذي يعد معيارا جوهريا في تقييم حسن تدبير العملية وسير الإعمار، فقد ورد في المعطيات الرسمية، التي تزامنت مع زيارة الوزير إلى المنطقة المعنية، بأن 111 مدرسة جاهزة لاستقبال التلاميذ برسم الدخول المدرسي الحالي، إضافة إلى 58 مدرسة ستكون جاهزة في نونبر المقبل و52 مدرسة أخرى في فبراير 2025، أي ما يعادل في المجموع 221 مدرسة أو فرعية، مقابل 1287 مدرسة، تشهد إصلاحات وتغييرات جزئية أو كاملة، ستكون جاهزة لاستقبال التلاميذ برسم الموسم الدراسي 2025/2026.! في السنة المقبلة يعني!

وبنفس القياس أعلاه فإن استكمال البناء التربوي بالإيقاع ذاته ( أي 221 مدرسة في السنة ) سيكون واردا بعد ….(6) ست سنوات إن شاء الله!( مع شهرين إضافيين “بونيس”)!

 الحديث نفسه عن المراكز الصحية، وعن باقي المرافق الضرورية… وما يعتبر في عداد مقومات الدولة الاجتماعية!

على مستوى ثان، لا يمكن أن نغفل التوجيهات الملكية التي رافقت التفاعل مع الوضع النابع عن الزلزال، والذي يهم المعايير المطلوبة في إعادة التعمير الأخرى (إشراف تقني وهندسي بانسجام مع تراث المنطقة والذي يحترم الخصائص المعمارية المتفردة. ـ « استجابة قوية، سريعة، واستباقية مع احترام كرامة الساكنة، وعاداتهم وأعرافهم وتراثهم”.

 وكرر جلالته التوجيهات نفسها والفلسفة نفسها في البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، في يوم 20 شتنبر عندما “شدد جلالة الملك، مجددا، على أهمية الإنصات الدائم للساكنة المحلية، قصد تقديم الحلول الملائمة لها، مع إيلاء الأهمية الضرورية للبعد البيئي والحرص على احترام التراث المتفرد وتقاليد وأنماط عيش كل منطقة”.

 وليس سرا أن الإرادة الملكية وقتها قطعت الطريق على نقاش مفتعل أريد له أن يكون طاغيا يتعلق بنقل الساكنة وفصلها عن القيمة الرمزية والمعنوية للمكان habitat habitus كما تقتضي فلسفة الارتباط بين العادات وبين السكن والاشتقاق اللغوي الموحد بينهما. وقد كان واضحا أن الديوان تموقع ضد الإرادة البيروقراطية ومنطقها الذي بدأ يتسرب إلى النقاش العمومي.

  ولعل الأشياء تطورت بعيدا عن هذا المنطق، بسبب العادات الأخرى في السكن .. التدبيري ! حتى أن المنطق البيروقراطي طغى وعلا على غيره ..

 في الواقع لا يبدو أن الحكومة سعت إلى بناء منطق يساير القرار الملكي، ولعل من المفيد الآن أن نسأل عن الحمولات التي تتخذها بعض التصريحات، كما كان مع الوزيرة المنصوري، بل القول إن” 90 ٪ فضلوا الطرق العصرية، إذ ربطوا سقوط المباني بطبيعة البناء التقليدي في هذه المناطق”! كما لو أن مضامين الديوان الملكي صيغت بدون معرفة بتوجهات الناس المتضررين! وهو ما لا نذهب إليه ولا نوده معيارا في تقييم التصريحات الحكومية، وإن كنا نضع السؤال للاستفسار لا للاستنكار!

ولسنا نعرف بالضبط معايير اعتماد هاته النسبة العالية من السكان، لكن الكثيرين من علماء الاجتماع والجغرافيين والمهندسين المعماريين وغيرهم يرون بأن “الإسمنت قد فرض نفسه “، لكن الأمر يأخذ معنى آخر لو أن الحكومة استغلت الديناميات العليا التي أطلقها ملك البلاد والروح المدنية المندفعة المتضامنة من أجل توعية الساكنة.

 ولا أحد يجادل بأن الإسمنت كمادة لإعادة البناء قد يكون خطأ كبيرا وكلفته أكبر، إضافة إلى تأثيراته البعيدة المدى…

لماذا كان هناك سرعة في محاولة إرضاء الساكنة التي طرحت الإسمنت، سؤال لا يمكن إغفاله!  

ذلك لأن التسرع «في غياب رؤية حول ثقافة الإعمار المحلية و العراقيل الإدارية”، اختيار غير موفق كما صرح أحد المهندسين المعماريين خليل مراد الغيلالي.

لحظة إعادة إعمار تنتمي في الواقع إلى سجل السياسات العمومية، وهي التي وضحت من خلال ما سبق حدود وإكراهات اشتغال الدولة ومؤسساتها، عندما يتعلق الأمر بإطار مؤسساتي محدد ومعروف، وخلق شروط عمل جماعي لمختلف الفاعلين، من مهندسين ومعماريين ورجال سلطة ومجتمع مدني ومنتخبين وغيرهم، ممن لهم زوايا معالجة مختلفة..