قضايا

نتائج الرياضة و كل السياسات.. تغييب الكفاءة وانتصار الإفساد

إدريس الأندلسي

قبل الكلام وجب بسط الأرقام التي تبين مبالغ الأموال التي تم رصدها للرياضة. فبالإضافة إلى الميزانية المخصصة للقطاع، يوجد حساب خصوصي للخزينة يسمى ” بالصندوق الوطني لتنمية الرياضة “.

بلغت مداخيل هذا الصندوق حوالي 2،8 مليار درهم سنة 2020. و تجاوزت 3،4 مليار درهم سنة 2022، و بلغت في سنة 2023 حوالي 4،4 مليار درهم. وظلت مصاريفه خلال ثلاث سنوات في حدود 1،6 مليار درهم.

 تم تحويل أموال لفائدة جامعات الرياضة تجاوز مجموعها 2،9 مليار درهم ما بين 2020 و 2022 . و صرفت أموال كثيرة لدعم المنشآت الرياضية وبرنامج مراكز القرب الرياضية و تمويل برامج إعداد الأبطال الرياضيين.

وقد صرف هذا الصندوق ،في 2023 ، أكثر من 87 مليون درهم لجامعة ألعاب القوى و 150 مليون درهم للجامعات و الجمعيات الرياضية و أكثر من 80 مليون درهم للجنة الأولمبية الوطنية. و تم تمويل عدة برامج و منتديات و تظاهرات رياضية تجاوزت 350 مليون درهم. أرقام كبيرة تبعث على الشك في علاقة التمويل بالنتائج الرياضية. و تظل ” المغربية للألعاب ” هي المصدر الأول للتمويل لهذا الصندوق. و لا تخلف هذه المؤسسة مواعيدها مع القنوات الإعلامية الخاصة و العمومية. و يصل مستوى أثر للتمويل إلى حد ربط المواطن بقنوات تعبث بكل قيم التفاعل مع الرياضة. و تطرح قضية شفافية التمويل بكثير من الأهمية في الوقت الراهن. التمويل موجود و المشروع الرياضي الكبير مفقود.

تم اغراق اليوتيوب بصور مركبة بكثير من المهنية حول الأداء البئيس لكثير من الجامعات الرياضية. وضع مهندسو هذه الحملة صور أغلب رؤساء الجامعات الرياضية و ارفقوها برقم ” صفر” في مجال الحصول على الميداليات.  غاب عنهم أن منصب رئيس جامعة لا يوفر للجالس على كرسي المسؤولية وسائل العمل و الميزانيات الكبرى.

لا يتوفر أغلب رؤساء الجامعات الرياضية على نفس الإمكانيات التي توفرت لجامعة كرة القدم. يجب أن نعترف بكفاءة فوزي لقجع و صلابة دفاعه عن منظومة كرة القدم . يجب أن نقر بأن لقجع رفض تجديد عقد رعاية ” إتصالات المغرب” للفريق الوطني و للبطولة الوطنية.

و لا يعرف الكثيرون أن جل الجامعات الرياضية لا يقترب منها أي محتضن. و لا يجب أن نغفل بأن هذه الوضعية مكنت العديد من المسؤولين الرياضيين من الدخول بقوة إلى مراكز القرار و أصبح بعضهم ضمن المشرعين في البرلمان رغم تدني مستواهم التعليمي و السياسي. و هكذا أكدت ما تسمى ”بالأحزاب الإدارية ” بدورها في تبخيس الجمال و الإنجاز الرياضي و السلوك السياسي.

وجب التذكير بأن الجامعات الرياضية تعيش، في أغلبها، على الكفاف و العفاف و منح هزيلة لا تمكن من تأطير الأنشطة الرياضية التي تدخل في نطاق تدخلاتها على مدى الوطن . مكاتب الجامعات الرياضية جزء صغير في منظومة سياسة قطاعية يعود تنظيمها و تطويرها للحكومة. لا يمكن لرئيس جامعة رياضية أن يخلق المعجزات بإمكانيات هزيلة. و لا يمكن لأي رئيس أن يظل سجينا لمنطق الجلوس على كرسي في غياب الإمكانيات. هناك رؤساء تولوا أمر جامعات رياضية كانت تحصد الألقاب، و لكن تواجدهم لمدة طويلة لم يكن له أي أثر على تطور نتائج الرياضة التي تؤطرها جامعتهم. امتد الفشل منذ سنين من ألعاب القوى إلى كرة المضرب و فنون الحرب و الملاكمة و الكرة الحديدية و المصارعة و حمل الأثقال و كرة اليد و غيرها من الرياضات.

كاد الكثير من المتابعين للنتائج الرياضية أن يظلوا حبيسي هدف لاعب الرجاء التاريخي ” حمان” في مرمى مايير الألماني سنة 1970. و تفاجأ المغاربة في الألعاب الأولمبية بأمريكا سنة 1984 بإحراز يافعة مغربية إسمها نوال المتوكل على الميدالية الذهبية في سباق 400 متر حواجز. و حصل شاب يافع، إسمه سعيد لعويطة على ميدالية ذهبية في سباق 1500 متر. و توالت انتصارات المغاربة في ألعاب القوى لأكثر من عقدين من الزمن. تسيد المغرب سباقات ألعاب القوى في مسافات 800 متر و 1500 متر و المايل المزدوج و 3000 متر و 5000 متر و000 10 متر . و أصبحت مدرسة ألعاب القوى المغربية تنافس بقوة مدارس إثيوبيا و كينيا و أمريكا و إنجلترا. و أصبحت ألعاب القوى تستهوي رغبات مسؤولين لا معرفة لهم بأسرار التدبير المهني و العلمي للمضمار الرياضي و أسرار تفوقه. و وصل جيل جديد من المسؤولين إلى مراكز القيادة و تمكنوا من ضمان استمرارهم على الكراسي، و انطلق مسلسل تراجع النتائج إلى أن وصل إلى باريس 2024.

لا أشك في رغبة الكثير من مسيري الجامعات الرياضية مغادرة السفينة. يعلمون علم اليقين أنهم غير قادرين على الإنجاز و بعضهم يبرر الفشل بكل الخطابات الممكنة. افقدتنا الحكومات المتعاقبة دور النظام التعليمي في إشعال الشرارة الأولى لانطلاق حب الرياضة لدى الأطفال و اليافعين. كان أستاذ الرياضة هو الأقرب إلى التلاميذ كمربي و كمهني يتقن مهنته بالإضافة إلى زرع روح ” الانتماء لفريق” و خلق روح التنافس لديهم.

نسي الكثيرون أن بداية الفترة الذهبية لألعاب القوى خلال بداية الثمانينات سبقتها سنوات من العمل ” النضالي” الرياضي لمغاربة ذوي تكوين متخصص في المجال. و هكذا تم صنع مفاتيح النجاح التي اوصلتنا إلى العالمية سنة 1984. و توالت التتويجات بالميداليات و الألقاب عالميا بفضل رعاية الراحل الحسن الثاني و مأسسة عمل المركز الوطني لألعاب القوي و تمكينه من وسائل صنع الأبطال و وسائل التأطير التقني بمقاييس عالمية أدت إلى بروز مدرسة مغربية استمدت قوتها من العلم و الثقافة المغربية.

و لا زال الإستقبال الذي خص به الملك الراحل الحسن الثاني فريق كرة القدم، الذي سجل أول عبور إلى دوري الثمن في المكسيك سنة 1986 ، و البطلة نوال المتوكل و البطل سعيد لعويطة حاضرا في قلوب المغاربة. و يعتبر هذا التوهج ذلك المدخل الذي أوصل بلدنا إلى احراز متواصل للميداليات خلال عدة سنوات وصولا الى نصف نهاية كأس العالم في قطر.

و يظل حل معضلة تراجع الرياضة في بلادنا مرتبط أساسا بضعف الحكامة في نطاقها الواسع. كان أحد الأحزاب، الذي قاد حكومتين ، لا يدخل الرياضة في برنامجه و يعتبرها ترفيها، مع تحفظ عقائدي، على اللباس الرياضي للمرأة. و استغلت الكثير من الأحزاب ارتباط الجماهير بالرياضة لتفتح باب الممارسة السياسية أمام رؤساء و أطر فرق الكرة. و كانت النتيجة أن تم تسييس البطولة و اضعاف صورة البرلمان في أعين جماهير أصبحت ترفع شعارات سياسية في الملاعب و تطالب بالمساواة و العدل و الشغل و الكرامة. و نعيش اليوم نتائج هذا التسييس ، المبتذل و المفرط في التمييع ، من خلال متابعة أعداد كبيرة من البرلمانيين أمام القضاء و تزايد عزلهم من طرف المجلس الدستوري. و قد شاهد المغاربة جلسات ترأسها أحد نواب الرئيس الذي يقبع في سجن بألمانيا في إنتظار تسليمه إلى القضاء المغربي.

و تظل قضية تراجع نتائج الرياضة المغربية عالميا مرتبطة ،أساسا، بالسياسات الحكومية  و بالأخلاق و الممارسات. ضربنا مكتسبات معهد مولاي رشيد بالمعمورة في الصميم و تخلينا على معهد تكوين الرياضيين بالدار البيضاء ، و توقفت مؤسسات تكوين أساتذة مادة الرياضة البدنية. و الأكبر من هذا، الايذاء العمدي ، هو إبعاد الكفاءات الرياضية من تدبير الكثير من الجامعات. و لكل ما سبق أصبح ،لا يمكن عزل هذا المشهد عن توصيات اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد في مجال الحكامة. أكد واقع الحال أن احتقار العمل السياسي و الحقوقي و فتح الطريق أمام الانتهازيين خطر علينا جميعا. و يعلق المواطنون آمالا كبيرة على إرادة تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة في مغرب اليوم. و يربطون هذه الآمال بإرادة ملكية لتفعيل دور المؤسسات حسب ما جاء في دستور المملكة.