تحليل

محاولة لرصد ظاهرة اكتظاظ السجون بالمغرب واستشراف طرق بديلة للعقوبات السالبة للحرية

الحسين بكار السباعي (محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان)
تحديات جسام أمام محاولة للبحث ورصد أوضاع السجون بالمغرب، وما تعرفه من اكتظاظ أرهق الجهات الوصية والمشرفة عنها، كما ارتبط استشراف حلوله، خاصة مسألة ترشيد الاعتقال الاحتياطي، باهتمام دائم للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، والهيئات الحقوقية وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية، وما توفره من تقارير موضوعاتية خاصة المكلفة منها بالحماية.

انشغالات يتقاطع فيها القانوني والحقوقي الإنساني ومدى انعكاس هذا الوضع غير المسبوق للسجون بالمغرب على السياسة

الجنائية المتبعة في محاربة الإجرام والبحث عن طرق بديلة للعقوبة الحبسية، بما يضمن إعادة تأهيله الجناة وإدماجهم في المجتمع، فهناك مقولة مشهورة مفادها أن: "الشخص الذي يدخل السجن ليس هو نفسه الذي يخرج منه".

لا شك أن علاج الظاهرة الإجرامية وتحقيق العدالة والنجاعة القضائية ضرورة قائمة، وقد يبدو من السذاجة الحلم بعالم بلا سجون ، لكن في ضل المتغيرات والتطور الذي تعرفه المجتمعات والوعي البشري ، لا بد من الاستفادة من التجارب القضائية المقارنة في العديد من الدول للوصول إلى وسائل إصلاحية أكثر من عقابية تؤدي الغرض منها ، لكنها تحافظ في الوقت نفسه على إنسانية الإنسان .إنه أمر يسائل السياسة الجنائية المتبعة ببلادنا و دور العقوبة الحبسية في التهذيب والإصلا ، مع وجوب إقرار آليات جديدة في العمل القضائي الزجري ، خاصة التجنيح القضائي وترشيد التحقيق الإعدادي، و منح هيئات الحكم سلطة التكييف في الجنح، مع مراجعة مقتضيات المسطرة الغيابية، واعتماد الوسائل العلمية والتقنية في الإجراءات، وتطوير وتقوية آليات مكافحة الجريمة، والتأكيد على وجوب تقليص مدد رد الاعتبار وفاعليته..

الى جانب ما أثرنا من ضرورة الترشيد الفعلي للاعتقال الاحتياطي بالأساس ، في ضل توفر وسائل بديلة للمتابعة في حالة سراح وإمكانية الوضع تحت المراقبة القضائية او ربط السراح بكفالة مالية ، أو كل إجراء مسطري يضمن لقاضي التحقيق وللنيابة العامة مباشرة إجراءاتهما دون اللجوء للاعتقال الاحتياطي، فضلا على أن المحكمة بإمكانها وطبقا لما تعرفه مسودة القانون الجنائي من نقاش ، من جعل مكان واسع للأعذار القانونية سواء المعفية من العقاب أو المخففة له، كظروف الجاني الاجتماعية والصحية والاقتصادية إلى جانب شخصية المتهم و مدى خطورة فعله الجرمي .

إن التأكيد على ضرورة منح المحكمة صلاحية التوقيف الجزئي للعقوبات السجنية التي لا تتجاوز عشر سنوات أصبح ضروريا، وذلك دون أن تنزل عن نصف العقوبة المحكوم بها، وهذا ما نجده في المادة 55 من مسودة قانون المسطرة الجنائية.

وإلى جانب تكريس العقوبة كمبدأ جنائي شرعي، نجد أهم معطى، وهو المتصل بنظرية الجمع بين العقوبة والتدبير الوقائي من طرف القاضي الجنائي، والتأكيد على أن ضمان الزجر والردع بوسائل بديلة لحل النزاعات أمام سلطة الاتهام وقبل المتابعة، فقد جاءت ذات المسودة للتأكيد على أن الصلح أو التنازل عن الشكاية في الحالات المحددة يضع حدا لتنفيذ العقوبة والتدابير الشخصية، دون العينية المادتان 102/1 و102/2منها.

ناهيك عن ضرورة العمل على تقليص الفوارق بين الحدين الأقصى والأدنى للعقوبة لضبط السلطة التقديرية للقاضي.

فالسلطة القضائية اليوم ومع الاحصائيات المهولة للوضع اللاإنساني والكارثي وما وفرته المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج وهي المؤسسة المسؤولة عن السجون في المغرب منذ 2008، وكذلك رئاسة النيابة العامة ، وما يقف عليه المجلس الوطني لحقوق الانسان ولجانه الجهوية من تقارير وتتبع لوضعية السجون، أمر أصبح معه القضاء الزجري مطالب بتفعيل الضمانات التي يمنحها المتهمون المتابعون أمام النيابة العامة أو دفاعهم، منها الضمانات الشخصية والكفالات المالية مع مراعاة وضعيتهم الاجتماعية، قصد المتابعة في حالة سراح بوضع معايير خاصة وضوابط فعالة تناسب كل متهم على حدى وخطورة فعله وتجاوز ما يستلزم من وقت كاف لكثرة وضغط الملفات واستكمال الإجراءات المرتبطة بها احترامي لمبدأ قدسية البراءة

إن العقوبات السالبة للحرية تحتل الصدارة ضمن جل التشريعات الجنائية الحديثة، لكن ارتفاع معدلات الجريمة خاصة المرتكبة منها في حالة العود أصبح يتير إشكالية قصور وفشل النظام العقابي و صار لزاما البحث عن طرق بديلة لإصلاح وإعادة الإدماج داخل المجتمع .

ويحسب للمشرع المغربي كأحد التشريعات الدولية المتطورة إقراره لبدائل الدعوى العمومية بشكل فعال: كالصلح الزجري المادة 41 والسند التنفيذي في المخالفات المادة 375 والأمر القضائي في الجنح المادة 383 وكذا إيقاف سير الدعوى العمومية 372،

وأيضا تعديل ما جاء به مشروع قانون المسطرة الجنائية بالرفع من حدود الأخذ بكل هاته البدائل، قياسا على ما تنهجه الدول الأوروبية، وأيضا ذات النظام الأنجلوساكسوني كتجارب رائدة، لما له من آثار إيجابية لتصريف العدالة وتحقيق غاياتها، إضافة للسند التنفيذي الإداري الذي أكده المشروع في المواد من 3-382 إلى 1-382.

وفيما تعلق بالأحداث والقواعد الخاصة، وتفعيل دور المؤسسات المتصلة بأصناف الأحداث، وتأكيد عملها لدى كافة المتدخلين، خصوصا الحرية المحروسة وتفعيل تدابير المراقبة والحماية بكافة الفاعلين سواء الضابطة القضائية والأجهزة الصحية أو المؤسساتية الإصلاحية وكل المعنيين بإقرار المصلحة الفضلى للفئات الهشة. قبل الحديث عن اهمية العقوبات البديلة في تطوير السياسة الجنائية وكذلك في إعادة النظر في مفهوم العقوبة وتقليل من السالبة للحرية منها، لابد أن نقف على ضرورة العمل على تقليص المدد في كل من الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي التأكيد على استثنائيتهما وأن الأصل هو المتابعة في حالة السراح، ووضع معايير ناظمة لتحديد سلطة الملاءمة التي هي بيد النيابة العامة المادتين 40/49. ضرورة العمل على تكملة نصوص مشروع قانون المسطرة الجنائية فيما تعلق بالعقوبات البديلة والإسراع في تبنيها كالعمل لأجل المنفعة العامة والغرامة اليومية، فنجد المشرع المغربي اعتمد في مشروع القانون رقم 43/22 مجموعة من العقوبات البديلة، تعزيزا للمنظومة العقابية في المغرب ورغبة في استخلاص النظام العقابي الفريد الذي يضفي على تشريعنا الجنائي صبغته القوية.

إن مجرد استطلاعنا التنصيص الجديد الذي قدمه مشروع هذا القانون، نجد ضمن مواده مفهوم جديد منصوص عليه بصيغة صريحة لعقوبات لم تكن من قبل، وتتمثل أهمها في “العمل لأجل المنفعة العامة، الغرامة اليومية، فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية”.

ونرى انها خطوة مهمة لمعالجة ما تعرفه المؤسسات السجنية من اكتظاظ وتخفيف عبئ الدولة المالي الذي يتطلبه الانفاق على المؤسسات السجنية؟ ومدى اعتبارها خيارا قضائيا ناجحا في اختيار العقوبة المناسبة للفعل كعقوبة بديلة ستجل المحكوم بها يتعظ ويندم على جرمه دون عود ؟، أم أن المجتمع المغربي في حاجة ماسة إلى إصلاح اجتماعي واقتصادي يشمل كل فئاته وليس لمجرد قواعد قانونية وإجراءات مسطرية يمكنها الحد من الجريمة ومن اكتظاظ السجون.