رأي

عبد اللطيف مجدوب: هل سيغدو الإرهاب سلاحا استراتيجيا ؟!

   مرت البشرية حديثا بمحطات تاريخية دقيقة وفاصلة ؛ كان فيها "الإرهاب" سيد الموقف ، أُزهقت فيه أرواح في غفلة عن كل أجهزة المراقبة الأمنية ، اتخذ لأنشطته الدموية مسارات ومسارح شتى ، تارة داخل مجمعات اقتصادية عمومية ، وطورا استهدافا لمقرات ومراكز حساسة ، يضرب داخل مساجد آهلة بالمصلين ، كما ينسف أو يعطل جسورا للتواصل في هذا البلد أو ذاك ؛ وفي جميع الحالات أو أكثرها شيوعا ؛ هو مجهول الهوية والجغرافية ، ولا تنكشف آثاره أو بالأحرى بصماته إلا في أعقاب سقوط ضحاياه ودمار المباني . وتعد محطة 11 سبتمبر من أبشع الوجوه والأقنعة التي تقنع بها الإرهاب يوم أن أقدم على عملية تدمير برج بنيويورك ، مستعملا طائرة إيرباص النفاثة كوسيلة انتحارية ؛ تجاوزت أرقام ضحاياها الثلاثة آلاف ضحية ، وهو أبرز عمل إرهابي دشنه تنظيم القاعدة بزعامة بلادن ، والذي اتخذ من أفغانستان مقره الرئيس ، قبل أن يأخذ في الانتشار ، ويفتح له جبهات أخرى ولو بمواصفات خاصة ، سواء في جزيرة الشام أو باقي المناطق الأخرى ، بأوروبا وشمال إفريقيا .

   وقد احتضنته لاحقاً بعض التيارات الصهيونية ، وأمدته بالمال والعتاد ، وركبته كوسيلة لاكتساح عديد من الأنظمة العربية في محاولة مبطنة لتسفيه وتكفير كل معتقداتها الإسلامية ، وهو ما أطلق عليه " تنظيم داعش " أو"الدولة الإسلامية في العراق والشام " سنة 2006 . آنئذ أخذت تنظيماتها في التوسع الجغرافي ، عرفت بمسميات مناطق مقارها أو بالأحرى خلاياها النشطة حينا وبأسماء متزعميها حينا آخر ، كما في شمال افريقيا بزعامتي عبد الله حفص وأبي موسى .

    صمت التنظيمات الإسلامية إزاء ما يجري في غزة 

  تساءل العديد من المراقبين عن دلالة الصمت المطبق الذي تتمسك به تنظيمات وجماعات إسلامية عديدة تجاه أحداث غزة ، معظمها يتخذ من سوريا والعراق وتونس والجزائر مقرات لها ، إذا استثنيا الحوثيين / حركة أنصار الله باليمن والتي هي موالية لإيران بحكم المذهب الشيعي ، ولعل أقرب توضيح بهذا الشأن يحيلنا على وجود تواطؤ ؛ إلى حد كبير ؛ من قبل هذه التنظيمات مع أمريكا وإسرائيل ، بالنظر إلى أحداث "الربيع العربي" الذي رأت فيه القوى الغربية مدخلا حيويا إلى إحداث فوضى خلاقة ، ومن ثم الإجهاز على معظم الأنظمة العربية ، لذلك استخدمت هذه "التنظيمات والجماعات المسلحة المرتزقة " لتمزيق الواقع السياسي العربي وضرب وحدته ، وخلق فوضى عارمة ؛ ما زالت حتى الآن تعاني منها ، وبالتالي هذه التنظيمات هي صنيعة غربية .

     كأداة لنشر الرعب وحالات اللأمن !

لقد مضى على حرب روسيا وأوكرانيا ، حتى الآن ، ما ينيف عن السنتين ، ما زالت تبعاتها فاعلة في المحيط الدولي العام ، وعلى عدة أصعدة ، أبرزها الطاقة والمواد الأولية .. وفي آن شحن العلاقات الدولية بدرجات عالية من التوتر والنزوع بها إلى التعددية القطبية ، ولسعيرها ، أنفق الغرب ؛ بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي ؛ آلاف المليارات من الدولارات لتعزيز ترسانته العسكرية الموجهة ضد روسيا ، هذا عدى أعداد ضحاياها الذين يعدون بعشرات الآلاف ، ناهيك عن صور التشرد والنزوح التي تعرفها الحدود الأوكرانية الروسية والبولونية .

   لكن ؛ وبالرغم من هذا الدعم العسكري واللوجيستيكي الذي تتلقاه أوكرانيا من جهة ، ومستوى العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا من جهة أخرى ، لاحظ الغرب أن جهوده هذه في خنق اقتصاديات روسيا لم تؤثر بشكل كبير على غريمتها ، بل دفعت بها ؛ وتحت غطاء العداء الآسيوي التقليدي لأمريكا ؛ إلى السعي في خلق تحالفات سياسية واقتصادية وعسكرية مع دول مجاورة ، على رأسها الصين وكوريا الشمالية وإيران .. وهو ما تخشاه أمريكا ، وتراه تحديا استراتيجيا ينذر ؛ على المدى القصير ؛ بالاكتساح الصيني وهيمنته الاقتصادية وتدمير القطبية الأحادية الأمريكية ، فلجأت إلى سلاح تراه فتاكا في تقويض الوحدة الروسية ، هو عبارة عن زرع خلايا إرهابية مدمرة ، بالنسق الذي جربته في سوريا والعراق ، فتنظيم داعش ؛ كما كشفت عنه وثائقه السرية ؛ نما وتبنته أمريكا وإسرائيل أول الأمر لتمهيد الطريق أمام هيمنتها على الشرق الأوسط ، تحت غطاء الإسلام وشرائعه المزيفة ، وصل حدا من العنف غير مسبوق ، تمثل أساسا في ضرب الأعناق أمام الملأ ، ونسف الأحزمة المتفجرة ، والإقدام على عمليات انتحارية ؛ تأتي على عشرات الضحايا . 

ومن هذا المنظور من جهة ، وتبعا لعملية كروكوس سيتي الموسيقية التي خلفت 154 قتيلا بموسكو الشهر المنصرم 22/3/2024 من جهة ثانية ، فروسيا الآن باتت تعيش على هاجس صفيح ساخن بتعدد العمليات الإرهابية وتمدد مسارحها بدءا بالعاصمة موسكو ، عمليات تخلف حالات الذعر والهلع في جميع الأوساط ، ما قد يكون لها أبلغ الأثر في خلق وتكريس حالات الاضطراب ، وهو مقدمة لانقسامات ؛ قد تعصف بالوحدة الفيدرالية الروسية على المدى البعيد .