المحاور الأساسية:
تقديم عام
المحور الأول : زواج القاصرات
المحور الثاني: الحضانة
1- الحاضن وغير الحاضن: الحقوق والواجبات
2- إسقاط الحضانة
3- السفر بالمحضون
تقديم عام :
تعتبر الأسرة العمود الفقري الذي تنبني عليه الحياة الإنسانية في مختلف تجلياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والروحية، ما مفاده على أنها مؤسسة قائمة الذات تجمع في بينتها بين الحقوق والواجبات سواء أتعلق الأمر بالمرأة، الرجل والأبناء.
الأسرة في قواميس اللغة هي: «الدرع الحصينة، وعشيرة الرجل وأهل بيته، وتطلق على الجماعة يربطها أمر مشترك».
أما في الاصطلاح الفقهي «فتطلق ويراد بها الأب والأم وما انبثق منهما من ذرية أبناء وبنات وإخوة وأخوات، أعمام وعمات وعاقلة الفرد»، وبعبارة أخرى هي: «مجموعة من الأفراد ارتبطوا برباط إلهي هو رباط الزوجية أو الدم أو القرابة».
كما نبَّه الإسلام إلى أهمية الأسرة من خلال العلاقة الأسرية الزوجية: حيث وصف الزواج بالميثاق الغليظ في قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضٰى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيْثٰقًا غَلِيظًا﴾
كما جعل أهم مقصد للزواج تحقيق السكن النفسي الوجداني والمودة والرحمة بين الزوجين مما ينتج عنه أسرة مستقيمة يسودها الاستقرار والطمأنينة والسكينة ومن ثم تلقي بظلالها على المجتمع كله: ﴿وَمِنْ آياته أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
ومن ناحية الشرعية الدولية، تعرف الأسرة بأنها هي” الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة”. وحماية الأسرة وأعضائها مكفولة أيضا، على نحو مباشر أو غير مباشر، في أحكام أخرى من العهد، وذلك من قبيل حظر التدخل التعسفي أو غير المشروع في شؤون الأسرة.
فضلا عن ذلك، وعلى وجه التحديد تتجه الشرعية الدولية نحو حماية حقوق الطفل بصفته هذه أو بصفته عضوا في الأسرة.
والمغرب، وكباقي المجتمعات الإنسانية خص هذه المؤسسة بكامل الاهتمام، حيث حرص على إحاطتها بكافة الضمانات الكفيلة بحمايتها اقتصاديا، اجتماعيا و قانونيا و لعل خير مثال على هذا الحرص ما نص عليه دستور المملكة الحالي لسنة 2011، معتبرا بأن : “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع. تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها و استقرارها و المحافظة عليها. تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، و الاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية. التعليم الأساسي حق للطفل و واجب على الأسرة و الدولة. يحدث مجلس استشاري للأسرة و الطفولة”.
وإنصافا للتطور التاريخي لمسألة التشريع الخاص بالأسرة بالمملكة، فالجلي بالذكر بأـن المغرب لم يكن يعرف إطارا تشريعيا خاصا ينظم مجال الأحـوال الشخصيـة و الأسرة، حيث كانت تنظم علاقاتها وفق أحكام الشريعة الإسلامية و الراجح من مذهب الإمام مالك و العرف.
و إذا كانت مرحلة دسترة الأسرة قد جاءت كنتاج لمدونة الأسرة المغربية، فإن هذه الأخيرة قد مرت بمسلسل بناء انطلقت معالمه الأولى ابتداء حلقاته منذ 19 غشت 1957، حيث كانت أولويات المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه هو إخراج قانون للأحوال الشخصية ينهل من أحكام الشريعة الإسلامية و في اتساق تام مع أحكام الفقه الإسلامي فـي مجـال الأسـرة ناهيك عن التقاليد و الأعراف والعادات.
و قد سار الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه على نفس خطى والده و ذلك بتعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993 كاستجابة لمطالب المجتمع المغربي من جهة وفعاليات الحركات المدنية والسياسية من جهة أخرى.
أما الملك محمد السادس فقد صنع الحدث ليس فقط من خلال إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية الذي لم يعد مسايرا للدينامية المتسارعة التي أصبح يعرفها المغرب، و لكن لأنها المرة الأولى في تاريخ المغرب الذي تحال فيه مدونة تتعلق بالأسرة على البرلمان للمصادقة عليها، و اعتبر ذلك كمؤشر إيجابي لرد الاعتبار للمؤسسة التشريعية و تفعيلها و دعوتها إلى تحمل مسؤولياتها في هذا المجال.
ونتج عن هذا المسلسل الإصلاحي، الإعلان عن ميلاد مدونة للأسرة المغربية، وهي قانون شرعه برلمان المملكة وأقرّه الملك محمد السادس سنة 2004، وأصبحت بذلك القاعدة المحددّدة للشروط والواجبات والحقوق في حالات عائلية كالخطبة، والنكاح، والطلاق وكذا الحضانة والنَفَقَة وغيرها من المواضيع المتعلقة بمؤسسة الأسرة.
واعتبارا للأهمية التي تعرفها مؤسسة الأسرة وذلك بالتوازي مع متطلبات تطور الحياة الإنسانية، وتأسيسًا على الأدوار الإستراتيجية لإمارة المؤمنين التي تجسدها المؤسسة الملكية باعتبارها ضامنة لسير المؤسسات واستمراريتها، يظهر الهدف الأساسي للتطرق لإصلاح مدونة الأسرة لسنة 2004 والتي يشارف تطبيقها عقدين من الزمن ناهيك عن الإشكالات التي ظهرت على أرض الواقع التطبيقي لمضامينها وخاصة فيما يتعلق بزواج القاصرات، الحضانة والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواحبات.
أمر تم تكريسه من خلال مضامين خطاب العرش لسنة 2022 والذي أشار إلى المقومات الاستراتيجية التالية :
▪ بارقة أمل في المستقبل وطموحات كبرى في بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي يستدعي توطيد ركائزه انخراط جميع أبنائه، نساء ورجالا، وبالأخص المشاركة الكاملة للمرأة في جميع المجالات؛
▪ مذكرا بأهم الإصلاحات التي قام بها، والمتمثلة أساسا في إصدار مدونة الأسرة والارتكاز على دستور 2011 في تكريس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات وتحقيق مبدأ المناصفة، والحرص على إعطاء المرأة حقوقها القانونية والشرعية؛
▪ إذ أوضح أنه بصفته أميرا للمؤمنين، لا يمكنه أن يحل ما حرم الله ولا أن يحرم ما أحل الله، وبالخصوص في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية، وإنما يدعو إلى ضرورة التزام الجميع بالتطبيق الصحيح والكامل لمقتضيات مدونة الأسرة، التي لا تهم فقط المرأة دون الرجل ولا العكس بل تهمهما معا والأطفال كذلك، والسهر على تجاوز سلبيات تجربتها ومراجعة بعض البنود التي تحول دون تحقيق أهدافها…
ناهيك، عن مضامين الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك لرئيس الحكومة والتي حددت الإطار العام للأمور التي ينبغي إعادة النظر فيها في مدونة الأسرة، وذلك بهدف تجاوز بعض العيوب والاختلالات التي ظهرت عند تطبيقها القضائي.
رسالة ملكية ركزت على :
➢ التذكير بمكاسب مدونة الأسرة الحالية على مستوى النهوض بحقوق المرأة، وصون حقوق الأطفال، والحفاظ على كرامة الإنسان، ودعم دولة الحق والقانون، وبناء المجتمع الديمقراطي، وذلك في احترام تام لشريعتنا الإسلامية الغراء، ومراعاة للتطور الذي عرفه المجتمع المغربي؛
➢ رغم ما جسدته من مميزات، وما أفرزته من دينامية تغيير إيجابي، من خلال منظورها للمساواة والتوازن الأسري، وما أتاحته من تقدم اجتماعي كبير، فإن مدونة الأسرة أضحت اليوم “في حاجة إلى إعادة النظر بهدف تجاوز بعض العيوب والاختلالات، التي ظهرت عند تطبيقها القضائي، ومواءمة مقتضياتها مع تطور المجتمع المغربي ومتطلبات التنمية المستدامة، وتأمين انسجامها مع التقدم الحاصل في تشريعنا الوطني.
وعلى أساس ذلك فإن اللجنة التي كلفت بإعداد تصور في هذا التوجه الإصلاحي ذي الصبغة الوطنية الاستعجالية تتكون من متدخلين متخصصين من قبيل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وزارة العدل، رئاسة النيابة العامة، المجلس العلمي الأعلى، قطاع الأسرة والتضامن والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمامها خطة طريق ملكية سامية لرؤية الإصلاح وتوجهاته في صبغتيه العامة والخاصة.
واعتبارا لأهمية مشاركة هؤلاء المتدخلين المتعددي التخصص، وانطلاقا من تسقيف زمن تقديم المقترحات التعديلية في أجل ستة أشهر، وتأسيسًا على مقومات الديمقراطية التشاركية المكرسة بنص الدستور الحالي لسنة 2011، وانطلاقا من مضمون الرسالة الملكية المتضمنة لخارطة طريق إعداد إصلاح مضامين مدونة الأسرة الحالية والتي دعت إلى إشراك الباحثين، واعتبارا لروح الانتماء للوطن ولحزب الاستقلال بصفتي عضوا لمجلسه الوطني وعضوا برابطة الأساتذة الاستقلاليين، اسمحوا لي السيد الأمين العام المحترم الدكتور نزار بركة، أن أضع بين يديكم مذكرتي هذه بخصوص التصورات والمصامين التي ارتضيت أن أخصها بالدراسة والبحث بالموازاة مع هذا الصرح الملكي الوطني الخاص بتعديل بعض مضامين مدونة الأسرة الحالية.
اسمحوا لي أن استعرض أمامكم المقترحات التعديلية التالية :
المحور الأول : زواج القاصرات
تشكل المواد 20 و21 و22 من مدونة الأسرة الإطار القانوني الذي ينظم الزواج دون سن الأهلية بالمغرب، فإذا كان المشرع المغربي من خلال مقتضيات المادة 19 من مدونة الأسرة قد جعل الأصل هو إبرام عقد الزواج عند اكتمال الأهلية ببلوغ سن 18 سنة بالنسبة لكلا الجنسين انسجاما مع المعايير الدولية وفي مقدمتها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة اختصارا بسيداو، واتفاقية حقوق الطفل، فإنه مع ذلك أوجد قواعد استثنائية لهذا الأصل نصت عليها مقتضيات المادة 20 من نفس القانون، التي سمحت بإبرام عقد زواج يكون أحد طرفيه قاصرا تحت مراقبة القضاء، وأحاطت هذا الاستثناء بمجموعة من الضمانات القانونية حيث أكدت على صدور مقرر قضائي معلل وأن يبين المصلحة والأسباب المبررة لمنح الإذن، وألا يصدر هذا الإذن إلا بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، أو إجراء بحث اجتماعي أو الاستعانة بخبرة طبية.
وانطلاقا من الاختلاف بين المادتين ووفقا للمادة 19 من مدونة الأسرة والتي تنص على أنه:” تكتمل أهلية الزواج في إتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية ” و المادة 20 من نفس المدونة والتي تؤصل في مضمونها على أن : “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة، دون سن الأهلية، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر، أو نائبه الشرعي، والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي”.
وتأسيسا على ما سبق ذكره، فإننا نرى على أنه واعتبارا من أن المغرب يعد من بين الدول السباقة للتصديق على التشريع الدولي الخاص بالطفل وكذا مواءمة تشريعه الداخلي مع مجموعة من المقتضيات الدولية التي تتقاطع مع القاصر وخاصة فيما يتعلق بالحق في التمدرس ومن ثمة محاربة الهدر المدرسي والحرص على التمكين الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئة العريضة من المجتمع المغربي ناهيك على أن الفاصل في هذه الفئة ما قبل سن الثامنة عشرة هو التحصيل الدراسي وتمضية جميع مراحل الطفولة، هذا دون أن ننسى التذكير بضرورة الأخذ بعين الاعتبار لأساس محوري قوامه الاستطاعة النفسية والبدنية التي تكون في إطار النمو في هذه المرحلة، وعلى أساس ذلك اقترح حذف زواج القاصر ذكرا وانثى من التشريع المغربي وتثبيت سن 18 سنة كحد أدنى للزواج.
واعتبارا للمصلحة الفضلى للقاصر أقترح أن:
يتم تحديد سن الزواج بالنسبة للذكر والأنثى في بين 17 و 18 سنة، مع مراعاة مقترحات المجلس العلمي الأعلى خاصة في هذا الباب بما يضمن احترام مضامين الشريعة الإسلامية باعتبارها دينا للدولة، ناهيك عن مقترحات أخصائيي الصحة العقلية، النفسية والاجتماعية
المحور الثاني: الحضانة
1- الحاضن وغير الحاضن : الحقوق والواجبات
الحضانة فقها: كما عرفها الفقيه المالكي ابن عرفة هي: حفظ الولد في نفسه ومؤونة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسده، أمر من الناحية الشرعية يمكن أن يوكل لكل من المرأة والرجل أو هما معا تقديرا لمصلحة المحضون الفضلى.
الحضانة مشتقة من الحُضن، لأن المربي يضم الطفل إلى حضنه، والحاضنة هي المربية هذا معناها لغة. وأما معناها شرعا : فهي حفظ صغير ونحوه عما يضره، وتربيته والعمل على مصلحته. والحكمة فيها ظاهرة، ذلك أن الصغير يحتاج إلى من يتولاه ويحافظ عليه بجلب منافعه ودفع المضار عنه وتربيته التربية السليمة.
وتبرز أهمية الحضانة باعتبارها المهمة التي تتم أثناءها بلورة الملامح الأولى لشخصية الطفل، وتتيح له النمو الطبيعي المطلوب جسمانيا، وعقليا ونفسيا، وخلقيا، وروحيا، واجتماعيا.
ويعرف القانون الحضانة بأنها “حفظ الولد مما قد يضره والقيام بتربيته ومصالحه”
نص لم يشر إلى شيء اسمه شخصنة الحضانة لهذا الطرف أو ذاك وإنما يشير وفي اتفاق تام مع القاعدة الفقهية المشار إليها قبله والرامية إلى البحث عن المصلحة الفضلى للمحضون، وذلك بالرغم من ترتيب المشرع لمستحقي الحضانة والتي : حددت المستحقين للحضانة و حصرتهم في الأم ثم الأب ثم الجدة للام، مع إعطاء المحكمة صلاحية إسناد الحضانة لغيرهم من الأقارب إذا تعذر إسنادها للمستحقين الثلاث المذكورين.
وهو ما يتماشى مع منطوق 171 من مدونة الأسرة الحالية في مسألة ترتيب مستحقي الحضانة على ما يلي : ” تخول الحضانة في القانون المغربي للأم، ثم للأب، ثم لأم الأم، فإن تعذر فالمحكمة أن تقر بناءا على ما لديها من أدلة إسناد الحضانة لأحد الأقارب الأكثر أهلية مع جعل توفير سكن لائق للمحضون من واجبات النفقة “.
غير أنه وبالرغم من وضوح النص القانوني، فإن هناك إشكالات جمة تحيط بهذا الإطار القانوني وتنزيله تنزيلا سليما يتماشى وبلوغ المصلحة الفضلى للمحضون، ويتعلق الأمر ب:
▪ تعسف الحاضن في تمكين غير الحاضن من استزارة المحضون وهو يفسر كثرة دعاوى اسقاط الحضانة ومن ثمة انقطاع النفقة عن المحضون بسبب تصرفات الحاضن ورد غير الحاضن بافعال تؤثر على التربية السوية للمحضون؛
▪ سير التجربة القضائية على أساس الاجتهاد القضائي وفي ظل غياب محدد قانوني لعدد ايام زيارة المحضون من قبل غير الحاضن على تحديد يوم يتيم ومحدد ببضع سويعات الأمر الذي يضع غير الحاضن أمام إشكالية حقيقية عنوانها ضعف تاطير ومتابعة المحضون الدينية، الثقافية والاجتماعية وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انحراف خطير في سلوكيات المحضون مما يؤثر عليه وعلى محيطه وعلى المجتمع ككل.
وتأسيسا على ما سبق ذكره، واعتبارا من أن مصلحة المحضون تظل هي الهدف المتوخى بلوغه واعتبارا لإستراتيجية هذه الفرصة الإصلاحية الوطنية لمضامين مدونة الأسرة وبالتأسيس على جملة من الإشكاليات التي تعتري تنزيلها تنزيلا سليما وخاصة مع تعنت بعض الحاضنات والحاضنين رجالا ونساء وتعسفهم في ممارسة هذه المهمة الأساسية التي نريد من خلالها تربية جيل سليم ومن دون أمراض نفسية ولا عقلية وفي اتساق تام مع العهود والمواثيق الدولية الخاصة بالمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات والتي صادق عليها المغرب، وهو ما يجد تبريرا له في أن انفصام ميثاق الزوجية لا يهم إلا الطليقين مع استمرار رعاية المحضون من لدن أبويه معا، وبالنظر للتجارب الدولية المقارنة في هذا الباب والتي تقضي باقتسام الحضانة بين المرأة والرجل مناصفة، وانطلاقا من أن الاجتهاد القضائي بالمغرب لا يتجاوز اليوم الواحد في الأسبوع بالنسبة لغير الحاضن ما ينجم عنه صراعات ومشاكل كثيرة لا يؤدي ثمنها نفسيا واجتماعيا إلا المحضون.
وحفظا لمصلحة المحضون المقررة بنص الشرع والقانون :
فإننا نقترح في هذا الباب التنصيص في الفصل القانوني التعديلي في باب الحضانة على اقتسام مدتها بين الرجل والمرأة مناصفة مراعاة لمصلحة المحضون النفسية والعقلية ومنها الاجتماعية والثقافية والروحية وذلك حفظا لتوازن الفرد والمجتمع وذلك بناء على ما سبق التذكير به في البداية من تعريف الفقيه المالكي ابن عرفة للحضانة والتي هي: حفظ الولد في نفسه ومؤونة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسده، تعريف يساير جملة وتفصيلا مضمون مجموعة من التشريعات المقارنة في باب الحضانة والمصلحة الفضلى للمحضون، والتي تؤكد في مضامينها على المسؤولية المشتركة للحاضن وغير الحاضن في رعاية شؤون المحضون مناصفة، وذلك انطلاقا من أن انفصام ميثاق الزواج لا يسقط البتة رابطة الأبوة سواء كانت أما أو أبا، كما لا يسقط نفقة الأب على أبنائه ولو بعد الطلاق.
2- إسقاط الحضانة:
في الشق المتعلق بإسقاط الحضانة، ومن الناحية الشرعية، فعن عبدالله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ، مَا لَمْ تَنْكِحِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ
ومن هذا المنطلق الشرعي بنص السنة على أن الحضانة بعد انحلال ميثاق الزوجية تؤول للأم المطلقة مالم تتزوج.
أما فيما يتعلق بأسباب إسقاط الحضانة واعتبارا لمضمون مدونة الأسرة الحالية، فيتم إسقاطها في الحالات التالية:
✓ اختلال أحد شروط استحقاق الحضانة المنصوص عليها في المادة 173 من مدونة الأسرة؛
✓ زواج الام الحاضنة وهو ما تطرقت اليه المادة 175 من مدونة الأسرة والتي تنص على أن زواج الحاضنة الأم، لا يسقط حضانتها في الأحوال الآتية:
o إذا كان المحضون صغيرا لم يتجاوز سبع سنوات، أو يلحقه ضرر من فراقها؛
o إذا كانت بالمحضون علة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غير الأم؛
o إذا كان زوجها قريبا محرما أو نائبا شرعيا للمحضون؛
o إذا كانت نائبا شرعيا للمحضون”.
أي أنه بمفهوم المخالفة فإن زواج الأم الحاضنة يسقط عنها الحضانة كلما كان الصغير يتجاوز سنه 7 سنوات ولا يلحقه بفراق أمه أي ضرر، أو إذا لم يكن زوجها قريبا محرم أو نائبا شرعيا للمحضون؛
واعتبارا لما تم ذكره من تبريرات وخاصة عند زواج الحاضنة فان تدبير شؤون المحضون يصبح مستعصيا ناهيك عن وجود شخص أجنبي عن المحضون يعيش معه إما تحت سقف واحد أو يتم اقتياده عند أحد أقارب الحاضنة ومن دون مسوغ قانوني مما يسهم في إمكانية تعرض المحضونة خاصة للتحرش من لدن زوج الأم وهذا قول توثقه جملة من القضايا المعروضة على أنظار مختلف محاكم المملكة والتي تصل في بعض الأحيان إلى الاغتصاب ناهيك عن ضياع حقوق المحضون عند غياب الأم والأب معا في حال تركه وحيدا عند أفراد عائلة الحاضن خلسة مما يجهز على حقه في الرعاية الأبوية، ومن هذا المنطلق واعتبارا للمصلحة الفضلى المرعية شرعا وقانونا للمحضون فان الحضانة تسقط عن الحاضن لزواج الحاضنة دون أن تسقط عنها الحق في زيارة المحضون.
وهذا ما أقرته محكمة النقض في قرار لها عدد 780 الصادر بتاريخ 2019.12.03 في الملف الشرعي عدد 29/2/1/2019 والذي جاء فيه ما يلي: “بمقتضى المادة 175 من مدونة الأسرة، فإن زواج الأم الحاضنة بغير قريب محرم أو نائب شرعي لمحضونها الذي جاوز سبع سنوات ومن غير علة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غيرها يسقط حضانتها عنه، والمحكمة لما ثبت لها أن البنت جاوزت السن المذكورة، واعتبرت عيشها مع أمها وجديها لأمها أو مع الجدين فقط غير ذي تأثير على إعمال المقتضى القانوني المذكور، وقضت بإسقاط حضانة الطاعنة عنها وإسنادها لوالدها الذي يليها مباشرة في ترتيب مستحقي الحضانة ما دام الملف خاليا مما يجرده عنها، على اعتبار أن مصلحة المحضونة بعد زواج والدتها، تكمن في العيش مع الأب وتحت رعايته ومسؤوليته، تكون قد أقامت قضاءها على أساس وعللت قرارها تعليلا قانونيا سليما”.
لذا نقترح في هذا الباب، وإعمالا لمنطوق النص الشرعي المتعلق بإسقاط الحضانة في حال نكاحها، ضرورة تغليب المصلحة الفضلى للمحضون والذي لا يتصور أن يتجاوز معه ترتيب مستحقي الحضانة وهو الأمر الذي يجب أن يطبق نفسه في مسألة إسقاطها مع الاحتفاظ لغير الحاضن بمزايا زيارة الحاضن والإشراف على شؤونه، ناهيك على أن عيش المحضون مع رجل آخر غير أبيه سيعرض توازنه النفسي والعقلي للاتوازن وذلك اعتبارا لأن زوج لا حق له من الشرعية الإشراف على تربية وتوجيه ابن غيره عند وجود أبيه، أمر سيمهد لا محالة لحل جملة من الإشكالات المعروضة على محاكم الأسرة وخاصة إسقاط الحضانة كما سيوفر للمحضون دعما نفسيا سيمكنه من حياة طبيعية متزنة حتى خارج مؤسسة الزواج، وفي هذا الباب نوجه عنايتكم إلى ضرورة الاستعانة بأخصائيين نفسيين واجتماعيين من اجل التعمق في فهم هذا التوجه الذي يهدف أولا وقبل كل شيء الى ترجيح كفة المصلحة الفضلى للمحضون.
3- السفر بالمحضون :
في باب سفر الحاضن بالمحضون داخل المغرب:
انطلاقا من منطوق المادة 178 من المدونة فإن سفر الحاضنة أو النائب الشرعي الإقامة من مكان لآخر داخل المغرب لا يسقط الحضانة، إلا في حالة ثبوت ما يوجب السقوط.
لذا وتجاوزا لمجموع الاختلالات الواردة في هذا الباب وحفظا للمصلحة الفضلى للمحضون، فإننا نقترح ضرورة تقييد السفر داخل المغرب تقييدا مشروطا، خاصة أن بعض الحاضنين يمارسونها ومن دون وجود حاجة ماسة لا لشيء إلا بهدف الانتقام من غير الحاضن، وهذا ما يؤكد إلزامية تقسيم مدة الحضانة بين الطليقين مناصفة مما سيمكن ومن دون شك في التخفيف من هذا النوع من التوابع التي لازالت تؤثر سلبا على الصحة النفسية والعقلية للمحضون الذي يتم اقتياده إلى مدينة بعيدة من طرف الحاضن بعيدا عن غير الحاضن سواء الأب أو الأم مما يؤدي في غالب الأحيان إلى تخلي غير الحاضن عن المحضون ومن ثمة حدوث شرخ عميق في نفسية المحضون ومن ثمة ضعف شخصيته وتحصيله العلمي والعملي ناهيك عن تعاظم مشكل النفقة الواجبة شرعا على الأب.
في باب السفر بالمحضون خارج المغرب :
وفيما يتعلق بانتقال الحاضنة إلى بلد خارج المغرب للإقامة به إذا كان يسقط حضانتها وفقا للمفهوم المخالف للمادة 178 من مدونة الأسرة، فإن انتقالها إليه متى ثبت أنه مؤقت وعرضي لا يعد موجبا لإسقاط حضانتها.
وحتى هذا الانتقال العرضي بالمحضون خارج ارض الوطن يعرف إشكالات عريضة تصل إلى حد الهروب به إلى وجهة غير معروفة مما يحرم غير الحاضن من فلذة كبده وتضيع معه بذلك المصلحة الفضلى للمحضون المرعية بنص الكتاب والسنة والتشريعات الدولية والوطنية.
وعلى أساس ذلك وجب تحديد لائحة عريضة من الضمانات التي تسير في اتجاه تقديم الحاضن عند إرادته السفر ضمانات مادية وقانونية بما فيها الوجهة المتعلقة بالسفر مع إخطار البلد المتوجه إليه بالقرار وإقرار تعاون قضائي دولي في هذا الباب يساهم في وضع نقط للمراقبة الدولية عبر جميع منافذ السفر البرية البحرية والجوية من أجل تقييد هذا التوجه بما يتماشى مع المصلحة الفضلى للمحضون وقضايا اختطاف الحاضن للمحضون كثيرة ومتعددة النفسية والعقلية ومنها الاجتماعية والثقافية والروحية وذلك حفظا لتوازن الفرد والمجتمع وذلك بناء على ما سبق التذكير به في البداية من تعريف الفقيه المالكي ابن عرفة للحضانة والتي هي: حفظ الولد في نفسه ومؤونة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسده، تعريف يساير جملة وتفصيلا مضمون مجموعة من التشريعات المقارنة في باب الحضانة والمصلحة الفضلى للمحضون، والتي تؤكد في مضامينها على المسؤولية المشتركة للحاضن وغير الحاضن في رعاية شؤون المحضون مناصفة، وذلك انطلاقا من أن انفصام ميثاق الزواج لا يسقط البتة رابطة الأبوة سواء كانت أما أو أبا، كما لا يسقط نفقة الأب على أبنائه ولو بعد الطلاق.