تحليل

الوجود الفرنسي بالمغرب.. من العنف الجسدي إلى العنف الرمزي

سعيد أكدال
إن الاستعمار الفرنسي بعد أن مارس على المغرب كل أشكال العنف الجسدي من أجل ضمان وجوده طيلة عهد الحماية، راح اليوم يؤكد علنا ممارسته لعنف رمزي من أجل استمرار هذا الوجــود لأنه أسهل وسيلة لفرض الهيمنة حسب مـا ذهب إلـيه عـالم الاجتمــاع " بيير بورديو ". 

ففي سنة 1970 ألف هذا الأخير معية عالم اجتماع آخر هو " باسيرون " كتابا تحت عنوان "إعادة الإنتاج: في سبيل نظرية عامة لنسق التعليم ". وإن كان هذا المؤلف يتمحور حول الإطار البيداغوجي للتربية والتكوين ويتناول مسألة التعليم من منظور سوسيولوجي، فإن ما وقفنا عنده هو مفهوم العنف الرمزي. 

فالعنف الرمزي، كما أكده هذان السوسيولوجيان يمثل آلية للسيطرة يفرض من خلالها كيان مهيمن على كيان مهيمن عليه اختياراته وسلوكاته ونظرته الخاصة، ويوهمه بأنها موضوعية وذات شرعية، حتى أن المهيمن عليه لا يكون له نمط تفكير إلا نمط المهيمن، وبالتالي لا يستطيع الانفلات ثم الاعتراض والتمرد (BOURDIEU.P et PASSERON.J.C, 1970). 

وإن فرنسا وهي تغادر مستعمراتها كانت تعلم أن مصيرها ومستقبلها مرتبط جدا بهذه المستعمرات، لذلك كان من الضروري الاهتداء إلى أسلوب بديل من أجل الإبقاء على هيمنتها. وكان العنف الرمزي ذلك البديل الأمثل. 

فإذا كان الاستعمار الفرنسي قد رأى في العنف الجسدي الأداة التي لا محيد عنها للحصول على طاعة وخضوع المستعمرات، فإنه أدرك بعد التحرر أن العنف الرمزي أكثر فعالية لكونه خفيًا وغير مرئي وتتحقق من ورائه كل الأهداف المرغوب فيها. 

لقد نجح الفكر الإمبريالي بعد مرحلة التحرر في جعل المستعمرات تُطَبع مع الهيمنة وذلك بفضل سياسة العنف الرمزي، حيث توفق في التأثير العقلي على الشعوب المتحررة ودفعها إلى التفكير كما يفكر المستعمر والتصرف كما يتصرف، ومن ثمة الاعتقاد أن مصيرها يحدده هذا الأخير. 

الاستقلال ظل التحايل والمجاملة العملة الرابحة في نظر المسؤولين الفرنسيين ولم يفضحوا أسلوبهم المعتمد على العنف الرمزي حفاظا على المصالح الاستراتيجية لفرنسا بالمغرب.

أنه في الوقت الذي تغيرت فيه الأوضاع اليوم كثيرا عن السابق، يظل الحكام الفرنسيون سجناء نمط تفكير أصبح متجاوزا. وكان زلزال الحوز الأليم بمثابة الرجة التي أيقظت فرنسا من سباتها ليعلم مسؤولوها أن مفعول العنف الرمزي قد ولى كما ولى العنف الجسدي في عهد الحماية. إن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس. وإن إفريقيا اليوم ليست هي إفريقيا الأمس. وعما قريب ستعلن برمتها نهاية العنف الرمزي.