قضايا

حاضنة الشعب تنتصر على السياسة

ادريس المغلشي

لعل من أبرز الخلاصات المهمة التي خرجنا بها من فاجعة 8 شتنبر 2023 و التي ألمت بالمغرب ولازالت الأحداث حبلى بالمفاجآت، ترسم في سماء الإنسانية جمعاء، أننا شعب قوي بمبادئه وقيمه، قادر على رفع التحدي. وأن يقدم للعالم دروسا لاتنسى في حب الوطن وعشقه حد الموت وبذل الغالي والنفيس من أجل صون كرامته وعزته. هذا هو الشعب المغربي الذي يجسد على أرض الواقع معنى فريدا للوحدة والتضامن جسد واحد وخطاب واحد .

 لقد سجل هذا الحدث حضورا متميزا لكل مكونات الشعب والتي رسخت الصور الجميلة التي تداولتها كثير من وسائل الإعلام الدولية وهو أمر تحدثنا عنه في كثير من المناسبات . كلما حلت فرصة سجل المواطن ملاحم بطولة تتجاوز الوصف والتعبير .مهما قلنا في حقه فلن نفي بالغرض .كيف تستطيع أن تتحدث عن مواطنين رغم العوز والشدة والضيق يبادرون بسخاء قل نظيره لينفقوا كل ما يملكون في ردة فعل ايجابية غير خاضعة لمنطق حساب ضيق أو قراءة سياسية سيئة. هكذا هم المغاربة.. الكرم والشهامة والبطولة تجعلك تعتز بوطنك وتفتخر به. 

لقد احرجتمونا بكرمكم وتضامنكم ومؤازرتكم للمنكوبين والمكلومين. الملاحظ كذلك تحرك مغاربة الخارج الذين لايتوانوا في إعلان عن موقفهم النبيل كالعادة ليلتحقوا بإخوانهم من أجل تشكيل قوافل الخير والنجدة وإغاثة العالقين في جبال المغرب المنسي.  

لكن مع هذا الزخم وحجم التعاون والمبادرات النوعية التي أبدعتها جمعيات المجتمع المدني، نتساءل أين الحكومة التي لم نسمع لها أثر ؟ أين مبادرة رئيس الحكومة الذي لم نشهد له زيارة ولاتقديم واجب العزاء وكأننا يتامى بلا مسؤولين وهنا نخلص في القول أن الحكومة سقطت شرعيتها أخلاقيا حين تخلفت عن الموعد ولم تسجل موقفا نبيلا يحفظها لها التاريخ .لم تعد لها لا شرعية ولا تعاقد مع الوطن مادام هذا الأخير بادر لوحده وبمفرده لانقاذ ماء الوجه من أجل إسعاف إخوانه وأخواته.

أين هي الأحزاب وشبيباتها وهيئاتها الموازية الكل خارج السياق والتاريخ. غياب كلي يستفز المشاعر ويسائلنا جميعا. ماجدوى السياسة إن لم تكن قريبة من نبض الشارع لتسمع لحاجيات المواطن؟ أين هي قوافلكم الممتدة على طول الخط من أجل اقتناص أصوات تتنكرون لها في منتصف الطريق؟ أين دعمكم وقففكم التي اختفت ولم نر لها أثرا في مثل هذه النوازل، أم أنها رشاوى مقدمة لشراء الأصوات حتى توصلكم في امان لمقاعد المسؤولية فتختفون ولا نسمع لكم حسا ولاخبرا .

أفظع خلاصة أن ترصد ميزانيات ضخمة للتأطير السياسي من أجل خلق وساطة اجتماعية وتدبير شؤون المواطنين فنصل في النهاية إلى هذه النتيجة المأساوية التي ننعي فيها السياسة التي سقطت في أيدي لصوص الرأي، وقطاع طرق، مع الأسف الشديد، حالوا بين المواطن والمشاريع التنموية. من حسنات فاجعة الحوز كونها فضحت الفاعل السياسي وكشفت حقيقة كذبه وادعاءاته. وقبل المطالبة بالتغيير في مجالات أخرى، نعتبر السياسة أولوية قصوى .