رأي

رشيد صفـر: الروائي والشيخة "طراكس"

حضرت العديد من الحفلات واللقاءات الخاصة بتوقيع روايات ومؤلفات أدبية وشعرية ونقدية، لمؤلفين وكتاب اختارهم هوس قلم المقلمة ووجدوا أنفسهم متيمين بعشق الكتابة، يصارعون العزوف عن القراءة ويسبحون ضد التيار. كنت ولا زلت أراهم مثل سيزيف، مع استبدال الحجرة بالكتاب وقمة حائط سيزيف بعقل وذهن المتلقي العازف على أوتار القطيعة على نغمات الهجر واللامبالاة.

وخلال حضوري مع ثلة قليلة لمراسيم التوقيعات ومناقشة المؤلفات النثرية والشعرية، كنت دائما أحس أن فضاء التوقيع والاحتفاء بارد برودة الثلج، ولا ينيره ويبعث فيه الحرارة الدافئة سوى كاريزما الكاتب وأناقته وابتساماته في وجوه الزوار على قلتهم والشحنات الإيجابية لوقع معانقتهم للكاتب والتربيت على كتفه  وإيقاع انحناءه من حين لآخر على طاولة العرض الأدبي، لتوقيع نسخة من مؤلفه ثم وقوفه منتصب القامة، لالتقاط صورة مع الحاصل على نسخة طبق الأصل، بطابع خطي لصاحب المصنف الأدبي،  بمقابل أو بدونه وغالبا ما يكون أصحاب "بدونه" كثر بين قلة الحاضرين.

يجب أن نرفع القبعة وقبل ذلك علينا أن نلبسها كي نجدها فوق رؤوسنا، خلال مصادفتنا لكاتب لازال مصرا على مغازلة الحروف وتسويق المعنى وسط لفافة اللفظ، داخل صفحات كتاب، يشتكي من تدني المستوى التعليمي والإدمان على الصورة المتحركة، التي تقدم المعلومة جاهزة دون عناء وتوجه الملتقي وتنمطه وتجعله مستهلكا غير ذكي، لا يحرك خيوط خياله ولا يستلهم الجمال من بين ثنايا العبارات ولا يستنبط الأحكام والتجارب من رواية أوقصة أو شعر، إذ أضحى أغلب الناس المتمدرسين - وهي طامة كبرى - لا يستطيعون تفكيك العبارات وإعادة تركيبها، والاستئناس بلذة استخراج  المعاني من الألفاظ، ومقارنتها والتحقق منها ووضعها في سياقها اللغوي والتاريخي والمعرفي أو الأدبي والإبداعي، وتصنيفها حسب النوعية، وإدراك حقولها وتياراتها، والتفريق بين الواقعية والأسطورية، والنقدية وغيرها..

إلى هنا كل من يقرأ هذه السطور سيبحث عن "الشيخة طراكس" وسط هذا الكم من العبارات السالفة !!!!. 

أي نعم وقد يكون البعض، إن لم أقل الكل وبحسن نية هذه المرة، قد وصل هنا بسبب الشيخة "طراكس"، التي سأكون شاكرا لها، لأنها ساهمت في تحبيب قراءة هذا المقال، سواء لمن يبحث عن أخبارها أو من يروجها أو من يستغرب ذلك ويدفعه فضوله لمعرفة ما سأكتبه عنها بعد ربط اسمها بالروائي.

تذكرت موقفا يُحكى في بلد الكنانة (مصر)، وهناك من يصنفه ضمن الحكايات والقصص الطريفة، إذ يُرو بأسلوب التنذر أن راقصة صادفت الأديب المعروف نجيب محفوظ، في أحد مواقف السيارات، وعندما همت بالصعود إلى سيارتها الفاخرة، كان الأديب محفوظ يفتح باب سيارته القديمة للصعود إليها، فسلمت عليه ونظرت إلى سيارته قائلة: هل رأيت إلى أين أوصلك الأدب يا أستاذ ؟!.

فرد عليها: نعم رأيت .. ورأيت أيضا إلى أين أوصلتك "قلة" الأدب.

وعودة لموضوع روائي بلدي وإقحامي لاسم الشيخة "طراكس" في الحكاية فقد جاء هذا الأمر في سياق نقاشي مع روائي صديق مبدع، همست له مرة : "لو كنت نسقت مع الشيخة طراكس، لتجلس بجانبك خلال مناقشة مؤلفك وتوقيعه، لحضرت المواقع الإلكترونية قاطبة وحج صنف كثير من الناس من كل الجهات ولا علاقة للأمر بـ"الجهوية الموسعة"".

وهذا أمر مضمون في رأيي، فحتى غير المهتمين بالكتاب "ستحفزهم" الشيخة كي يهتموا به مكرهين و"لا يستقيم الإكراه مع الأدب بل يسقطه التحبيب"، وحتى المواقع الإلكترونية الرصينة الخط التحريري، ستستبق الحدث، لمعرفة علاقة الروائي بالشيخة، خصوصا "الطراكس" كي لا نكون غير قريبين من البوز والطوندانس.

مع مراعاة أدبيات وصف "الشيخة" في الإعلام، فهي جزء لا يتجزء من الموروث الشفهي للوطن، إذ تعج العديد من الروايات بحكايات تناولت شخصية الشيخة من زاوية بعيدة عن الاحتقار والتشييء فحتى النضال لبس ثوب "تاشياخت" في قصة خربوشة و معلوم أن عبارة "البوط البوط"، لا تعني "لي بوط" بالفرنسية، الذي ينطقه المغاربة البوط (بوط الفلاح) مثلا .. الذي ينسق مع الشيخة بعد عام فلاحي زاهر ومثمر بغرض التقصير، ولا نعني هنا  تقصير اللباس بل (القصارة) في اللسان الدارج، وهي لحظة نزوة تسيطر فيها الغريزة على العقل، بفعل ومفعول لذة الاستمتاع بلحظات راقصة وماجنة، و"لقصارة" هنا لفظ مشتق من التقصير، كناية على التقصير  في تحمل المسؤولية والاستهتار وهدر مال عرق الجبين.

وعودة للبوط في الدارجة، فهو سرة البطن و nombril بلغة موليير وnavel بلغة شكسبير، وكلكم تعرفون برتقال "ناڤيل"، الذي سُميّ بهذا الاسم، لأن به سرة، مثل سرة البطن،  وهي المكان الذي يضع عليه رجال ونساء راحة اليد، من فوق الملابس، أثناء الرقص والتراقص...  ولا  أعني بالملابس قشور ناڤيل، لأنها لم تستطع حجب سرة هذا النوع من البرتقال ..