تحليل

الجزائر الجديدة: الثقة المطلقة في الذات خدعة مطلقة

عبد الصمد بنشريف (صحفي)

نقطة اللاعودة مع المغرب هي الجملة المفتاح في الحوار الذي أجرته قناة الجزيرة الإخبارية مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. فهو مصر على التصعيد وصم الآذان  لمقتضيات التاريخ والجغرافيا. ورغم أن الصحافية التي حاورته تنتمي الى مؤسسة إعلامية دولية .ما يعني امكانية وجود هامش واسع للحرية والمناورة وطرح الأسئلة الجوهرية والمستفزة بالمعنى المهني .توخيا للوضوح وتبديدا لمساحات رمادية كثيرة .خاصة ماصرح به بخصوص اقتراح اسبانيا منح الصحراء للجزائر عام 1964. لكن يبدو أن الصحافية جزائرية، وسبق أن كانت موضوع تقريع ونقد ،من طرف تبون قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية..وقبل أن تدخل قصر المرادية وتنتدبها الجزيرة للقيام بهذه المهمة الميكانيكية .كفرت بنكنة عن سيئاتها وكتبت ما يؤكد ولاءها واخلاصها لتبون .

 وهنا نتساءل لماذا يهرول النظام الجزائري إلى نسف أي سيناريو أو موقف مناصر لمقترح الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحراء؟ أليس استدعاء سفيره في مدريد في وقت سابق ،  وتعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار  مع إسبانيا هو تعبير واضح وحجة قوية ودليل دامغ على أن الفاعل الرئيسي في نزاع الصحراء هي الجزائر؟ أليس نظام الجنرالات هو مهندس التصعيد والتوتر ومعرقل كل الحلول. وهو صانع جبهة البوليساريو التي تبناها ومولها وسلحها وجعل منها أداة لمعاكسة المغرب والوقوف في وجه مطالبه والنيل من وحدته الترابية والتشويش على صورته ومكانته وسمعته؟

من هذا المنطلق ، يتعين على النظام الجزائري ألا ينافق ويلعب على حبال ازدواجية المواقف، وتسويق خطابات تمويهية لاتعكس الحقيقة لتضليل الرأي العام الدولي. فكيف يمكن أن نصدق تشدق النظام الجزائري بكونه ليس طرفا في نزاع الصحراء؟ وكم يلزم الرأي العام الدولي من الغباء والسذاجة ليثق في الدبلوماسية الجزائرية التي لا شغل لها، سوى حشر ملف الصحراء في أي محفل أو مؤتمر أو منتدى. وتنصيب نفسها محاميا لجبهة البوليساريو بشكل يدعو فعلا إلى الاستغراب. والشفقة في نفس الوقت؟

لقد اتضح بما لا يدعو للشك والريبة، أن النظام الجزائري هو من يتحمل المسؤولية في مآسي المحتجزين في تندوف. وهو من يتحمل المسؤولية في تفكيك وتفتيت الاتحاد المغاربي، والانخراط في سياسة المحاور لتكبيل المغرب وخنقه..و هو الذي يسعى بكل الطرق لفرض محور لصالحه .من خلال اسقطاب تونس وموريتانيا وليبيا وتوج .وسبق لرمطان لعمامرة عندما كان وويرا للخارجية أن مرر رسائل مسمومة ومفخخة في تصريحات أدلى  بها في تونس  وهو  يتباهى ويفتخر بمتانة وقوة وتماسك العلاقات والروابط بين تونس والجزائر. مشيدا  بماوصل إليه البلدان من تفاهم وتوافق وانسجام وتطابق في المواقف والتصورات ووجهات النظر . علما أن الرئيس قيس سعيد وبإيعاز من الجزائر  وجه طعنة غادرة للمغرب وأدمى  تاريخا مشتركا من الوفاء والوفاق والاحترام المتبادل. وأجهز على ثابت بنيوي في السياسة الخارجية التونسية عندما انزلق إلى استقبال إبراهيم غالي رىيس جمهورية وهمية تحتضنها الجزائر. 

ربما ما يعتقده النظام الجزائري، موقفا مبدئيا فيما يتعلق بنصرة حق الشعوب في تقرير مصيرها، هو أقصى درجات الافتراء والنفاق. فهو يوظف هذا المبدأ في السياق الخطأ والزمن الخطأ والجغرافية الخطأ. ويستهلكه قصد التضليل وشحن فئات من المجتمع الجزائري مازالت ضحية خطاب الشرعية الثورية التي يتحصن بها السيستيم .ويحرص على إعادة إنتاجها، عبر مؤسسات وقنوات وأدوات، ليبقى هو المحتكر والمتحكم الوحيد في التاريخ، والمنتج الرسمي للسردية المندورة،لتسويغ وشرعنة عمليات تزوير الوقائع ،و قلب الحقائق وتضبيع الأجيال الحالية.وإثقال كاهلها وحشو عقولها وقلوبها ،بجرعات وافية من الكراهية والعدوانية والضغينة والشك تجاه المغرب..

بكل صدق .  سبق لي أن قلت في أكثر من مناسبة .بأنه لم أعد  أجد أي مسوغ أو مبرر .لتبديد الوقت وهدر الطاقة، في الكتابة عن سلوكات ومواقف وخطابات وأوهام نظام بلغ درجة متقدمة ،من الخبل والجنون والهلوسة والانفعال والعدوانية المجانية. والاندفاع الأرعن، لقصم ظهر المغرب الذي تحول إلى وسواس قهري  وعقدة مزمنة ومرض نفسي عضال بالنسبة للنظام الجزائري . الذي لا هدف له، سوى  السعي بكل الوسائل لكسر عظامه وعرقلة نموه .وتأليب دول المنطقة ضده ،عبر تنشيط سياسة المحاور  واستعمال الاغراءات المالية .وتسويق أضغاث أحلام تنمية سرابية في المناطق الحدودية مع تونس  على سبيل المثال.و تقديم النظام الجزائري على أنه غول استراتجي ودينامو محور ي في أفريقيا والعالم .وقوة ضاربة  لا تقهر، قادرة على اجتراح المعجزات الجيوستراتجيةوالاقتصادية ،وإرساء  دعائم السلام والأمن في مالي والنيجر وليبيا، وأن حل الأزمة في هذا البلد، يوجدبيدالجزائر.وقادرة على حماية تونس من أي خطرإرهابي ،أو ردة ديمقراطية .فقيس سعيد ،يحق له  أن يتموقع كما يشاء .و أن يتخندق بكل ارتياح في صف تبون الرئيس المنتخب "ديمقراطيا " ،في جمهورية يحكمها نظام عسكري، يكرس وقتا مهما للحديث عن الانجازات الديمقراطية للجزائر الجديدة -القديمة .وحث الشعب على التلاحم والتماسك .بما في ذلك التوظيف الشعبوي والديماغوجي للرياضة، وبشكل خاص كرة القدم  .لأن أي انتصار، هو انتصار للمؤسسة العسكرية .وإلا كيف يمكن  أن نفسر نفسيا وسيميائيا  وسياقيا، تلك الصورة التي أمسك فيها الفريق السعيد شتقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري بكأس العرب و هو يداعبها بسعادة لانظير لها ،وتصفيقات الرئيس تبون ووجوه أخرى تنهال عليه، عربون ولاء ووفاء واخلاص  .أليس هو القائل "إن لقب كأس العرب هدية ثمينة للشعب الجزائري. وهو رد قوي وصريح، على أعداء الأمس واليوم ،وعلى كل من يحاول التشكيك في وحدة هذا الشعب وغيرته الكبيرة على وطنه.

مالم يدركه النظام في الجزائر، هو أنه ليس هناك تاريخ مطلق خال من التعثرات والأخطاء والمطبات ،وليس هناك أمة متعالية على التاريخ والمجال. ومفصولة عن مكوناتها الاجتماعية والثقافية ومقوماتها الاقتصادية .فالثقة المطلقة في الذات، وفي ماتملكه من قدرات وامكانيات ، خدعة مطلقة .وقد تكون هي أصل كل مآسي وتصدعات وشروخ هذه الذات.