قضايا

برامج المواهب التي تفتقِد لمواهِب !

نورالدين اليزيد

منذ مدة اتخذت موقفا رافضا للطريقة والصيغة التي تُقدم بها البرامج التي تزعم أنها منقّبة ومكتشفة للمواهب الكوميدية، على قنوات التلفزيون العمومي، لأن البرنامج الذي يخرج لحيز الوجود بطرق مشبوهة، ويُشرف عليه أشخاص مطعون ومجروح في مروءتهم، ويُحكِّم فيه فنانون أو منتسبون لمجال الفن غير موهوبين، وفقط جيء بهم لغايات يعرفها جيدا الراسخون في الظفر بالتمويل العمومي، بل من هؤلاء “الحكماء”/”الحكام” من كان سببا في “خراب بيوت” ومستقبل فنانين بالفطرة خريجي مثل هذه البرامج؛ واسألوا الفنان الكوميدي عبدالفتاح جوادي يحكي لكم عجبا مِما عاناه من ويلات بهذا الخصوص !

برامج للمواهب تكون هذه هي نشأتُها وهذا هو “البلاطفورم” الذي أخرجت بها للناس، لن تؤدي إلا إلى إنتاج الضحالة الفنية وكل ضروب التفاهة والإضرار البصري والمعنوي للرأي العام..

ولذلك فكلما فرضت علي صدفة ما أن أتابع بعض لقطات مثل هذه البرامج، إلا وخيل لي أنني أقف عند مجمع شباب مراهق في “راس الدرب” يُنكّثون ويمزحون ويمرحون مع بعض بـ”غي آجي يا فم وڴووول” أملا في إضحاك والتهكم في بعضهم البعض، وهذا من الأمور المباحة في تجمعات المراهقين طبعا، ولا لوم عليهم ولا هم يحزنون..

وما يؤكد اليوم هذا النوع من “الموهوبين” الذين يختارهم التلفزيون الحكومي وتنصب لهم البلاطوهات وترصد لهم ميزانيات، هو هذا الشاب الذي لم يجد أدنى حرج وهو يقدم سكيتشه أمام لجنة التحكيم، في التنمر والسخرية السوداء المقيتة على فنان مغربي أحببْتَه أم كرِهتَه، إلا أنه يبقى فنانا عفيفا متواضعا غير متنطع، أدى الكثير من الأدوار سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون، ولقيت غالبيتها استحسان النقاد، بل ونال على إثرها جوائز، لأدائه البارع في تقمصها ولعبها بصدق وتمكّن..

الحديث عن الفنان حسن ميكيات، الذي يقدمه بعض مقربيه على أنه شخص مثقف ومتواضع، ومتمكن من أدوات التمثيل، رغم أنه يبقى غير محظوظ للظفر بأدوار بطولية علما أنه أهلا لها، لو وجد المنتج والمخرج والسيناريست الذين يفتحون أعينهم على المواهب، وليس على المتنطعين وأصحاب الجباه العريضة !!

ولأنني لا أتابع البرنامج المعني، لأنه ببساطة برنامج للبحث عن المواهب لكنه يفتقد للمواهب، إعدادا وإشرافا وتحكيما، ما يجعل حلقاته عبارة عن ضحِك رديء وساذج، لا يضحك إلا الجمهور المؤثِّث للبلاطو الذي يحركه مساعدو الإخراج، فإنني فوجئت بأن مِن بين فريق “الكوتشينغ” هناك “فنانين كوميديين”، كنت دائما أرى أن علاقتهما بالكوميديا هي علاقة تنطع و”جبهة” و”قسوحية وجه” ليس إلا، وأن الأيام ستكشف لنا مستوى حموضتهما، وأن في كل مرة سنكتشف أننا “طلسناه معهم خضر” وحامض… نسأل الله اللطف في هذا “الطّْليس” و”الحموضية” !!

فأية كوميديا هاته؟ وأي برنامج كوميدي للمواهب هذا الذي يسمح لشاب غض يجهل الكثير من أدبيات الإلقاء، ولاسيما عبر تلفزيون عمومي، بأن يسخر من فنان مقتدر، بسبب شكله وهيئته الجسمية؟ وأي لجنة تحكيم هاته التي تسمح بهذا التصرف العنصري الأرعن والحقير، أن يمر إلى الرأي العام، بل وربما صفّقت له؟ !