حين يتحرر ولي العهد من قيود البروتوكول، ويتصرّف كأي مواطن متفرج، واقفاً بعفوية بعد تسجيل هدف لصالح النخبة الوطنية، ملوّحاً بقبضة يده في الهواء، فإننا لا نكون أمام مجرد ردة فعل رياضية عابرة، بل أمام لحظة دلالية كثيفة المعنى. لحظة لم يألفها المغاربة مع الأمراء، لا في زمن ولاية العهد لدى محمد السادس، ولا مع مولاي رشيد، حيث كان البروتوكول دائماً يفرض مسافة رمزية بين “الأمير” و”الحدث”، بين الجسد الملكي والانفعال الشعبي.
كان بإمكان ولي العهد أن يبقى جالساً، أن يكتفي بتصفيق محسوب، هادئ، خالٍ من أي انفعال جسدي واضح، كما يقتضي ذلك المنطق الكلاسيكي للتمثيل الملكي. فالموقع، من حيث هو موقع، لا يفرض الانفعال، بل غالباً ما يقمعه. غير أن ما وقع هو العكس تماماً: انتصر الإنسان في ولي العهد على الصورة، وغلبت اللحظة على الطقس، وتقدّم الشعور الصادق على قواعد التمثيل البارد.
هنا لا يمنع الموقعُ الأميرَ من أن يظهر كإنسان عادي، بل إن اللحظة كشفت أن “العادي” يمكن أن يكون جزءاً من الهيبة، لا نقيضاً لها. فالسلطة الرمزية لا تُبنى دائماً على المسافة، بل أحياناً على القرب، وعلى القدرة على تقاسم الشعور الجماعي دون وساطة. قبضة اليد المرفوعة لم تكن إعلان قوة، بل تعبير انخراط؛ انخراط في الفرح الجماعي، في نبض المدرج، في لحظة وطنية توحِّد ولا تفرّق.
بهذا المعنى، فإن المشهد يفتح أفقاً جديداً لفهم العلاقة بين الجيل الجديد من المؤسسة الملكية والمجتمع. نحن أمام انتقال هادئ من “الأمير المتفرج” إلى “الأمير المشارك”، ومن البروتوكول الصارم إلى الذكاء الرمزي الذي يقرأ اللحظة ويستجيب لها دون افتعال. وهي رسالة غير منطوقة مفادها أن الشرعية لا تُصان فقط بالوقار، بل أيضاً بالقدرة على مشاركة الناس انفعالاتهم، في الفرح كما في غيره.
ليست المسألة مسألة كرة قدم، بل مسألة صورة، وتمثّل، وتحول في لغة الجسد السياسي. لحظة صغيرة في ظاهرها، لكنها كبيرة في ما تتيحه من تأويل: أن يكون الأمير أميراً، دون أن يتنازل عن كونه إنساناً.






