مجتمع وحوداث

فاجعة فاس .. تجزئة 'اللامستقبل'

جواد شفيق

ضحايا فاجعة حي بندباب التي وقعت يوم 9 ماي 2025 ما زالوا يكفكفون دمعهم على ضحايا انهيار عمارة ووفاة عدة أشخاص، كانت مصنفة آيلة للسقوط، ولم يتجشم أحد عناء تفعيل قرار إفراغها، وما زالوا أيضاً يبحثون عن مأوى يحفظ كرامة ما تبقى من أسرهم.

استفاقت فاس مرة أخرى على فاجعة أكثر حدة ومأساوية، حيث انهار ليلة أمس 9 دجنبر 2025، بتجزئة المستقبل، وبئسا له من مستقبل!! سكنان من أربعة طوابق، مخلفاً لحد الساعة 22 شهيداً بين أطفال وآباء وأمهات، وعديد الجرحى والمعطوبين، وثماني أسر منكوبة رزأتها الفاجعة في "قبر حياتها"، لينتقل الموتى من أفرادها إلى "قبر مماتهم" ويتشرد ما تبقى منهم.

​هذه المأساة التي تكاد تصبح دورية بالعاصمة العلمية للمملكة، بالنظر لكثافة البناءات غير اللائقة؛ تصميماً و بناءً و خروقات، أو تلك العشوائية المهددة دائماً بالانهيار، والتي نبتت على مدى عقود وتحولت إلى أحياء، ويغطي حجمها مساحات واسعة من النسيج العمراني للمقاطعات الجماعية زواغة، جنان الورد، المرينيين، وسايس، هذه المأساة تطرح باستعجال شديد وضع مخطط مارشال عمراني حقيقي للإنقاذ وإعادة الهيكلة والتأهيل والتدعيم وإفراغ الآيل للسقوط.

​إن وضع أحياء بكاملها، كالمسيرة، والحي الحسني، والجنانات السفلية، وعوينات الحجاج، والـ 45 (الخمسة والأربعين)، وغيرها من الأحياء الكثيفة ديموغرافياً، البشعة عمرانياً، الهشة بناءً، معلوم لدى الجميع. ولكن استمرار العودة إلى طرح الأسئلة نفسها كلما حلت فاجعة، حول: كيف نبتت؟ وكيف خُرقت فيها كل معايير البناء السليم؟ ومن شجع ذلك؟ ومن اغتنى من ذلك؟ ومن تغاضى عن ذلك؟ ومن تواطأ على ذلك؟ وما هي حدود مسؤولية المواطن؟ ومسؤولية المنتخب؟ ودور رجل السلطة؟ ومهمة القطاع الوزاري المكلف بالإسكان والتعمير؟ ودور "مقاولات" بناء الموت؟ ومسؤولية تجار المآسي؟... إن استمرار العودة لنفس هذه الأسئلة المزمنة وغيرها، بما يعنيه ذلك من تقاذف للمسؤوليات وتنصل من تحمل التبعات (كما وقع في فاجعة الحي الحسني)، لن يحل المشكلة المستعصية أصلاً، لأن الأمر يتعلق في حقيقته بورم تم التغاضي عنه إلى أن تضخم ويلزمه وباستعجال كبير بروتوكول علاجي صارم، قبل أن "يتمستفز" (يستفحل).. ويؤدي إلى مزيد من الفواجع والموتى والمعطوبين والمنكوبين واليتامى والثكالى والمشردين.

​لقد اختلط فيما وقع عمرانياً بفاس، السياسي بالانتخابي بالأمني بتجارة الموت بالهجرة بالهشاشة وغيرها من العوامل... وكان طبيعياً وحتمياً أن تنتج هذه الوصفة أحياء وتجزئات ليس أبداً اسماً على مسمى، كما هو حال تجزئة المستقبل/الموت.

​اللهم ارحم الموتى وكن مع المعطوبين والجرحى والمكلومين والمشردين.