تحليل

المغرب بين الواقعية والشرعية الدولية: انتصار دبلوماسي في ملف الصحراء

إبراهيم الخياطي (باحث في الثقافة البصرية والوساطة الرقمية)

شهد هذا الأسبوع لحظة فارقة في التاريخ الدبلوماسي للمغرب، بعدما صوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لصالح قرار يدعم بشكل صريح مقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية. خطوة وُصفت من قبل المراقبين بأنها تحول جذري في مواقف المنتظم الدولي، واعتراف عملي بجدية وواقعية الطرح المغربي كحلّ سياسي دائم.

منذ أكثر من عقدين، بنى المغرب رؤيته على مبدأ “الحكم الذاتي الموسّع” باعتباره صيغة تضمن كرامة الساكنة وتُحافظ على وحدة التراب الوطني. اليوم، يجد هذا المشروع صدى في أروقة الأمم المتحدة، بعدما أدركت القوى الكبرى أن استمرار الوضع الراهن لم يعد ممكنًا، وأن الحلول الانفصالية لم تُنتج سوى الجمود واللااستقرار في المنطقة.

لكن هذا القرار لا يُقرأ فقط من زاوية القانون الدولي أو ميزان القوى الدبلوماسية؛ بل يحمل أيضًا أبعادًا رمزية وثقافية عميقة. فالمقترح المغربي لم يكن مجرد وثيقة سياسية، بل رؤية حضارية تستند إلى ثقافة الوساطة، وإلى تصور مغربي للسيادة قائم على المشاركة، والاعتراف بالتنوع المحلي ضمن وحدة وطنية جامعة.

في هذا السياق، يبرز دور الثقافة البصرية والوساطة الرقمية كجسر لتوضيح الحقائق وتفكيك الصور النمطية التي تراكمت حول الملف. فالمعركة لم تعد تُخاض فقط في أروقة الأمم المتحدة، بل أيضًا في الفضاء الرقمي، حيث تُصنع الانطباعات وتُشكّل المواقف. اليوم، يملك المغرب رصيدًا بصريًا وإعلاميًا قادرًا على إعادة تأطير السردية الدولية حول الصحراء، عبر توظيف الذكاء الإعلامي والتواصل الثقافي كقوة ناعمة.

لقد أثبت هذا القرار أن الواقعية المغربية، القائمة على التنمية والتعدد، تتفوّق على خطابات الانقسام والجمود. فالمناطق الجنوبية لم تعد تُرى فقط كملف نزاع، بل كأفق للتنمية والاستثمار، ومجال لتجسيد مشروع وطني متكامل.

إنّ اعتراف المجتمع الدولي بجدوى المقترح المغربي لا يُعدّ نهاية المسار، بل بداية مرحلة جديدة من ترسيخ السيادة عبر الفعل الثقافي، والدبلوماسية الرقمية، والعدالة الاجتماعية التي تعيد الثقة في المشروع الوطني ككل.