قضايا

نضج الشعب المغربي ينتح جيلا بهذا الوعي

مصطفى الرميد (محامي/ وزير سابق)

تقاسم معي أحد الاصدقاء، وثيقة منسوبة إلى شباب جيل (زاد) ،  تحت عنوان( ملف مطلبي لشباب المغرب، من أجل تفعيل العقد الدستوري  وتحقيق النمودج التنموي الجديد).

وأول ملاحظة على الوثيقة التي لا تحمل أي تاريخ، أنها مفصلة بعدة مطالب، ذات طبيعة  إصلاحية، بأبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية، لا يمكن إلا التعبير عن تقدير المجهود المبذول في اقتراحاتها، و اللغة المحترمة التي  تمت صياغتها بها، وهو ما يجعلنا نرفع القبعة لهذا المستوى  الراقي من الوعي الإصلاحي، والسمو في الأداء الأخلاقي.

لقد تم التشويش على هذه الحركة الشبابية المباركة، باقتحام عناصر مخربة لصفوفها، لكنها استطاعت بحكمتها أن تتخلص منها.

وقد حاولت بعض الجهات ممارسة الوصاية عليها، لكنها تمكنت بوعيها الثاقب أن تفوت الفرصة عليها.

 وها هي الآن، تدبج وثيقة في غاية الأهمية، ينبغي  تقديرها بما هي أهل له، سواء بالنسبة لمن اتفق معها او لمن اختلف.

وتبقى الحقيقة التي لابد من تسجيلها، في هذا السياق، أنه من الصعب جدا، أن تختلف مع هذه الوثيقة كلية، خصوصا باعتبار مرجعياتها المعتمدة، التي هي  الدستور، ثم التقارير الوطنية الرسمية المختلفة، كما أن المطالب الواردة بها، في عمومها، تبقى محترمة ومقدرة، وإن كان هناك  من خلاف مع بعضها، وهو أمر طبيعي، فبشكل محدود.

يمكن، بناء عليه، القول إن هذه الوثيقة تعبر ، ليس فقط عن نضج الجيل المعني، وهو هنا ما يسمى بجيل( زاد)، ولكن، أيضا، هي تعبير عن نضج الشعب المغربي، الذي أنتح جيلا، بهذا الوعي، وبهذا المستوى، فاللهم بارك.

وإن مما يؤكد هذا النضج، ذلكم القرار الشجاع الحكيم، القاضي بالامتناع عن التظاهر يوم الجمعة ، الذي سيشهد افتتاح السنة التشريعية الجديدة،  وبالتالي،  خطاب جلالة الملك أمام البرلمان.

إن الموازنة بين إرادة الاصلاح، واحترام المؤسسة الأساسية في البلاد، والتوجه اليها بمطالب،  مطبوعة، في عمومها  بطابع المعقولية والموضوعية، هو ما سيجعل هذه الهبة الشبابية، هبة، مباركة ميمونة، فهي من جهة، واجهت حالة  الارتخاء الحكومي، والكسل المؤسساتي، والفساد الإداري، ومن جهة أخرى، زرعت الأمل في الإصلاح في إطار الاستقرار، الذي يعتبر أعز ما يدرك.

إن الوثيقة الصادرة عن الشباب، في توصيفها للواقع، وفي مطالبها المعلنة، تفوقت بكثير على بعض الوثائق المتداولة، وأثبتت أن هؤلاء الشباب، ليسوا في حاجة إلى من ينوب عنهم في  وصف الواقع الذي خرجوا من أجل تغييره، أو تقديم مطالب يتقاطع بعضها مع مطالبهم، في حين تبتعد أخرى بعد المشرقين.

وأخيرا، لا أشك، لحظة، في أن دولتنا، لها من الحصافة والحكمة وبعد النظر، ما يجعلها تكون في الموعد  بما يجب، وكيف يجب، وبما يستجيب للآمال المنتظرة، في حدود مايمكن أن يكون.