تحليل

"آيْتْ بُوكْمَّاز" مَنْ يُمَثِّل مَن؟

سامر أبو القاسم

في ظل غياب استراتيجية إصلاحية واضحة، وفي ظل تعليق الاستجابة لحاجات وانتظارات الكتلة الناخبة، وفي ظل برمجة دقيقة للحاجة في تنمية محلية، وفي ظل استمرار نهج ضرب القدرة الشرائية وإثقال كاهل المواطنات والمواطنين بأعباء مادية واجتماعية، وفي ظل تقصير واضح في تمتيع دافعي الضرائب بالحماية الاجتماعية اللازمة، ينتصب النقاش من جديد حول الديمقراطية التمثيلية وأزمتها العميقة في حالتنا الوطنية.

فمسيرة "آيت بوكماز" تعيد التداول في شأن حقيقة تجسيد هذه الديمقراطية للإرادة الشعبية، وللحق في قرارات وإجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية تخدم المصالح الوطنية للشعب المغربي بكل فئاته وشرائحه في جميع مناطق تواجده الجغرافي. وبقدر ما تسائل الحكومة ومجالس الجماعات الترابية، فإنها تسائل الأحزاب ذاتها باعتبارها الأداة المُفْتَرَض تجسيدها لدلالات تمثيلية المواطنات والمواطنين داخل المؤسسات.

وَاهِمٌ إِذاً مَن يعتقد أنّ تسيير الأحزاب وتدبير قضاياها السياسية هو أمر مُيَسَّر ومتاح للجميع. فهو الوهم الذي يقود إلى الهرولة والتهافت على مواقع المسؤولية دون التوفر على شروط الكفاءة والنجاعة والمردودية. فمسيرة "آيت بوكماز" أثبتت أن ما نعانيه من أعطاب متراكمة ومستفحلة بخصوص حل مشكلات العيش الكريم والمشترك ما هو إلا انعكاس للحياة السياسة المعاقة بشكل عام ووضعية الأحزاب السياسية المعطوبة بشكل خاص.

ومُخْطِئٌ مَن يرى أن تصحيح مسار الأحزاب التي طالتها تشوهات بالجملة هو أمر سهل ومفروش بالبساط الأحمر، خاصة مع غياب الكفاءة السياسية والقدر اللازم من التمرس الميداني في مجال الفعل السياسي.

وما ميل الأحزاب إلى إدمان التعاطي مع المحطات الانتخابية بمنطق التمويل على حساب حل مشكلاتها الاستقطابية والتنظيمية والسياسية سوى شكل من أشكال تعقيد الوضع وتأزيمه، مثله في ذلك مثل إدمان الهروب إلى الأمام ببيانات وبلاغات عامة وفضفاضة دون القدرة على ولوج مضمار التنافس السياسي والتواجد في قلب المؤسسات. وهما معا يشكلان صيغة من صيغ إرجاء إعادة النظر في رؤيتهما وطريقتهما وآلياتهما للتجاوب مع حاجات وانتظارات المواطنات والمواطنين ذات الصلة بالتفاوتات الاجتماعية والمجالية والإخلال بتوفير شروط ضمان الحقوق والحريات ومستلزمات العيش الكريم ومتطلبات العدالة في توزيع الثروة الوطنية.

وبناء عليه، من الخطأ والوهم اعتقاد أن احتجاجات مسيرة "آيت بوكماز" يمكن التجاوب معها باستبدال أجهزة تنظيمية داخل هذا الحزب أو ذاك، أو بإصدار بلاغ أو بيان في الموضوع وانتهى الكلام. بقدر ما يتطلب الأمر إعادة نظر في مفهوم القيادات والأطر الحزبية، وفي مدلول الاحترافية الملازمة للنهوض بالمسؤولية تجاه المواطنات والمواطنين، وفي تجاوز منطق الاستراتيجيات الفردية المقتنصة للفرص والمواقع داخل الأحزاب والمناصب داخل المؤسسات والإطارات، وفي القطع مع العديد من الممارسات الضارة بالفعل السياسي والحزبي من أجل إحداث نقلة نوعية في انسجام تام بين الأجيال، ولتمثيل المواطنات والمواطنين تمثيلا اجتماعيا وسياسيا يليق بحجم الحاجات والانتظارات ويحول دون إذكاء النزوع المتكرر نحو وقفات ومسيرات شعبية محلية وإقليمية وجهوية.

إن عدم القدرة على تخمين حدود التأثير المتوقع للاحتجاجات الشعبية يشكل تهديدا للديمقراطية، تماما كما هو الشأن بالنسبة للانحراف بالسياسات العمومية عن مسار تلبيتها لحاجات وانتظارات المواطنات والمواطنين.

وتعميق الهوة بين الناخبين والمنتخبين التي أفرزتها الممارسات الحزبية غير محسوبة العواقب هو إخلال بالتوازن بين الدولة والمجتمع على قاعدة ما يحصل من إقصاء اجتماعي.

لذلك وجب التعاطي مع إشكال الديمقراطية التمثيلية، فهي محط تساؤلات عميقة.