كنت أنتظر دوري في مقر تعاضدية التعليم عندما سألتني شابة قائلة: "أستاذة رميج، أليس كذلك؟" وعندما تأكدت من هويتي عانقتني بحرارة. ظننت أنها إحدى تلميذاتي، لكنها أخبرتني أنها صديقتي في الفيسبوك، وأنها أستاذة مادة الفلسفة. اعتذرت لها كوني لا أعرف كل أصدقاء الفيسبوك وخاصة الذين لا يعلقون على المنشورات أو يبصمون عليها. أخبرتني أنها في الواقع خجولة، وأنها استغربت جرأتها في التحدث إلي. وعبرت لي عن محبتها وتقديرها، وهنأتني على صدور روايتي الجديدة.
سعدت بهذا اللقاء الذي يؤكد أن منشورات الفيسبوك تقرأ من فئات مختلفة من القراء بغض النظر عن عدد الليكات، وأن القراء الصامتون لهم أسبابهم في عدم الإعلان عن أنفسهم، وأن ذلك لا يعني عدم الاهتمام وعدم التقدير. ولذا، قد يكون من الخطأ حذف الذين لا يتواصلون، ولا يبصمون على منشوراتنا. شخصيا أتعامل مع النشر في فيسبوك مثل النشر في الصحف الورقية التي نجهل عدد قرائها.
ولأن دور تلك الأستاذة الشابة كان قبلي والازدحام على أشده، فقد غادرت مقر التعاضدية دون أن تودعني. لكني فوجئت بها تتواصل معي ليلا على الماسنجر، وتعتذر عن ذلك، وتعبر لي عن سعادتها بلقائي والحديث معي. وما أثارني في حديثها أنها وجدتني في الواقع أرق من صورتي في فيسبوك، إذ كنت أبدو لها صارمة. كلمة "صارمة" سمعتها من كثير من أصدقاء فيسبوك وخاصة في بداية انخراطي فيه عندما كانوا يلتقون بي على أرض الواقع فتبدو لهم شخصيتي مرحة ومختلفةعن الصورة التي كونوها عني من خلال صوري.
ولا أدري إن كان هذا الانطباع جيدا أم سيئا؟
المهم أن هذه الصديقة الفيسبوكية الصامتة في العالم الافتراضي غمرتني بفيض محبتها وحلو كلامها في العالم الواقعي. لذلك، لا تتذمروا من الصامتين، ولا تلغوا صداقتهم، فقد يكنون لكم من المحبة والتقدير ما لا تتخيلونه.






