رأي

خالد أخازي: التخييم الصيفي 2025، وعود زائفة واختلالات كارثية تفضح فشل وزارة الشباب والثقافة والتواصل

يُفترض أن يشكل التخييم الصيفي فضاءً تربويًا وترفيهيًا حيويًا للأطفال والشباب المغاربة... لكن مع الوزير المهدي بنسعيد مبدع جواز الشباب الذي لا يصلح إلا كوصلة إعلامية، ظهر جليا أن الواقع السنوي لهذا القطاع يغرق سنويا في مستنقع من الإخفاقات المتراكمة، والفوضى الإدارية... والتراجعات هو العنوان العريض... والأرقام دالة...

الوعود الزائفة التي لا تُترجم إلى نتائج ملموسة على الأرض... ولغة الحداثة والدمج والعدالة المجالية مجرد فقاعات، كتحطيم رقم قياسي في زمن الحكي، وظواهر لغوية يبددها واقع تخييمي بئيس... 

وموسم التخييم الصيفي لسنة 2025 لم يكن استثناءً، بل جاء ليؤكد أزمة متصاعدة في تدبير الوزارة الوصية على القطاع.

أرقام تكشف حجم الكارثة

تكشف الأرقام الرسمية والتقارير الصادرة عن الجمعيات المحلية والوطنية التربوية، أن الموسم الصيفي الحالي شهد تراجعًا دراماتيكيًا في جودة العرض التخييمي، إذ انخفض عدد الأطفال المستفيدين من المخيمات الصيفية إلى أقل من 85 ألف طفل، مقارنة بـ220 ألف طفل في موسم 2023، أي بتراجع يقارب 61%.

هذا التراجع لم يأتِ صدفة، بل نتج عن إغلاق أكثر من 15 مركز تخييم على الصعيد الوطني في آخر لحظة، بمبرر تأهيل تأخر كثيرا، كما أن المخيمات التي تم افتتاحها عانت بشكل كبير من ضعف تجهيزات البنية التحتية، وسوء التنظيم، وعدم توفر شروط السلامة.

إغلاق المخيمات في اللحظة الأخيرة: كارثة بطيئة

أبرز مظاهر الفشل كان قرار السلطات المحلية بإغلاق مخيمين رئيسيين خلال الأسبوع الأول من يوليوز، حماية للطفولة من اللامسؤولية، وهو ما تسبب في إرباك كبير على مستوى تنظيم النشاطات الصيفية.

هذه الإغلاقات جاءت بعد زيارات تفتيشية كشفت عن "مخلفات القرون الوسطى" كما وصفها ناشطون، بسبب سوء صيانة المرافق، ونقص المياه الصالحة للشرب، وانتشار الحشرات، بالإضافة إلى نقص وسائل الإسعاف والسلامة.

واللافت أن الإغلاق تم بشكل مفاجئ، دون توفير بدائل فورية، مما أدى إلى حرمان آلاف الأطفال من المشاركة في البرامج الترفيهية والتربوية.

حلول ترقيعية.. المدارس تتحول إلى مخيمات

لم تجد الوزارة خيارًا سوى اتخاذ قرار اللجوء إلى الفضاءات المدرسية لاستخدامها كمراكز تخييم مؤقتة، في تجاوز صارخ لمفهوم التخييم وأهدافه التربوية التي تعتمد على بيئة طبيعية منفتحة.

وفي هذا السياق أعلنت وزارة بنسعيد عبر بلاغات متكررة عن توقيع شراكة مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، سمحت بتحويل حوالي 45% من مراكز التخييم المخطط لها إلى فضاءات مدرسية، في خطوة وصفتها جمعيات المجتمع المدني بأنها "حل عبثي يقتل روح التخييم".

غياب التخطيط وارتجالية التدخل

المفارقة أن هذه الشراكات تم توقيعها في آخر لحظة، حيث أعلنت الوزارة عنها في أواخر يونيو 2025، قبل بداية الموسم الصيفي بأيام قليلة، ما يدل على غياب تام للرؤية الاستراتيجية، وارتجالية في التدبير.

وبحسب مصادر مطلعة من داخل الوزارة، فإن تأخر صرف الميزانيات وتغييرات متكررة في الطاقم الإداري للقطاع أسهما في تعطيل الإجراءات الضرورية، ما أدى إلى "عرقلة انطلاق الموسم التخييمي بشكل لائق".

انخفاض عدد الجمعيات المستفيدة: إقصاء وتهميش

لم يقتصر الأمر على الانخفاض الحاد في عدد الفضاءات، بل شهد هذا الموسم تراجعًا غير مسبوق في عدد الجمعيات المستفيدة من برامج التخييم، حيث تم تقليصها بأكثر من 40%، وفق ما أفادت به تقارير الجمعية الوطنية للفاعلين التربويين.

وزارة الشباب اعتمدت "معايير جديدة" لتوزيع الدعم المالي والمراكز، لكنها ظلت غامضة وغير معلنة المعايير، ما أثار شكوكًا في وجود توجهات إقصائية تستهدف جمعيات ذات سمعة رفيعة.

تدهور جودة الخدمات والتجهيزات

لم يقتصر الفشل على الجانب التنظيمي فقط، بل شمل أيضًا البنيات التحتية التي تقدم خدمات متدنية جدًا.

تقرير رسمي مؤرخ في يونيو 2025، وزع على رؤساء الجمعيات، كشف أن:

30% من مراكز التخييم تفتقر إلى مياه شرب صالحة.

40% تعاني من نقص حاد في المرافق الصحية الملائمة.

25% منها لا توفر معدات إسعاف أولي كافية.

كما تم تسجيل 4 حالات تسمم غذائي طفيفة في مخيمات بالدار البيضاء والرباط خلال الأسبوع الأول.

ردود الفعل: غضب أولياء الأمور والفاعلين

أولياء الأمور عبروا عن استيائهم العميق من الواقع المؤلم الذي تعرض له أبناؤهم. قالت فاطمة الزهراء، أم لطفل عمره 12 عامًا: "من المفروض أن يكون الصيف وقت فرح وتعلم، لكن ابني عاد محبطًا من المخيم، يقول لي كيف تكون المخيمات مدارس في الصيف؟".

الفاعلون في المجتمع المدني أشاروا إلى أن هذا التراجع يعكس "غياب الإرادة السياسية الحقيقية" لإصلاح القطاع، وأن الوزارة تكتفي بإطلاق بيانات إعلامية وشعارات براقة لا تترجم إلى أرض الواقع.

تصريحات الوزير: بين الشعارات والواقع

في مقابلة تلفزيونية خلال شهر ماي 2025، أعلن وزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، عن "خطة طموحة لتأهيل وتوسيع المخيمات الصيفية، وزيادة العرض الوطني بنسبة 30%، مع تحسين جودة المرافق والأنشطة."

لكن على الأرض، لم ترَ هذه الخطط النور، بل زادت الفوضى والتراجع، مما يُطرح السؤال: هل هناك انفصال بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني.

لا إصلاح دون إرادة سياسية

موسم التخييم الصيفي 2025 كشف بما لا يدع مجالًا للشك أن قطاع التخييم بالمغرب يعيش أزمة حقيقية، ناجمة عن ضعف التخطيط، ونقص الموارد، والإدارة غير الفعالة، وغياب الشفافية.

الأرقام والمؤشرات تدل بوضوح على تراجع كبير في الخدمات، وانخفاض عدد المستفيدين، وتراجع جودة المرافق، وسط غياب المبادرات الجذرية.

الحلول الترقيعية مثل تحويل المدارس إلى مخيمات تُكرّس معاناة الأطفال، وتُنهي المعنى الحقيقي للتخييم كفضاء تربوي حر ومنفتح.

وزارة الشباب مطالبة بوقف "السياسة الكلامية"، وتحمل مسؤولياتها كاملة، بتوفير مخيمات عصرية وآمنة، تراعي حقوق الطفل، وتعمل على تطوير مهاراته، بدل التستر خلف الوعود الزائفة والارتجال.