أجاب شاب تم استجوابه من قبل صحفية في مهرجان موازين، حين سألته: “كيف يحلو لكم أن تغنوا و ترقصوا في الوقت الذي يموت فيه ضحايا من جراء العدوان والحروب من حولنا؟”، فأجاب بعفوية :
«لا يهمني ما يقع في العالم من حولي. نحن نريد فقط أن يتم تخفيض ثمن المخدرات لكي ننسى ».
هذا التصريح الذي تم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي وأثار موجة من الردود و التعليقات يعبر بمرارة عن إحساس جماعي لدى الشباب المغربي بفقدان الأمل و انسداد الأفق .
هذا الواقع المؤلم الذي يعيشه الشباب المغر بي تترجمه الأرقام والمعطيات.فحسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، يبلغ معدل البطالة في صفوف الشباب ما بين 15 و24 سنة حوالي 32%، وترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 48% في المناطق الحضرية. كما يسجل المغرب سنويا حوالي 300 ألف حالة انقطاع عن الدراسة، مع احتلاله مراتب متقدمة عالميا في مؤشرات الهدر المدرسي.
وفي السياق نفسه، تكشف تقارير المديرية العامة للأمن الوطني أن الفئة العمرية ما بين 18 و30 سنة تمثل النسبة الأكبر من مرتكبي الجرائم.
أما الإدمان، فقد شهد تفشيا مهولا، لا سيما في صفوف المراهقين. وتشير معطيات وزارة الصحة إلى تضاعف عدد المدمنين على المخدرات خلال السنوات الخمس الأخيرة، مع تزايد مقلق في تعاطي الأقراص المهلوسة والمخدرات الكيميائية، وانتقال الظاهرة تدريجيا إلى الفتيات في الوسطين الحضري والمدرسي.
من جانب آخر، يعاني الشباب من أزمة نفسية صامتة. فوفقا لتقارير وزارة الصحة، فإن أزيد من 48% من المصابين باضطرابات نفسية تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة. هذه الفئة لا تحظى بأي متابعة أو علاج فعال بسبب ضعف البنية التحتية للصحة النفسية، إذ لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين في المغرب 450 طبيبا، بمعدل طبيب واحد لكل 80 ألف نسمة، مع تمركز هذه الخدمات في المدن الكبرى فقط. كما أن المؤسسات المتخصصة في المصاحبة النفسية والاجتماعية شبه منعدمة، مما يترك آلاف الشباب في مواجهة فراغ قاتل،.
ومما يزيد من تعقيد واقع الشباب ببلادنا ما سبق أن رصده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في أحد تقاريره، بخصوص فئة واسعة من الشباب تُعرف اختصارا بـ NEET (Not in Education, Employment, or Training)، أي أنهم خارج نطاق الدراسة، والتكوين، وسوق الشغل. عدد هؤلاء يناهز 4 ملايين شاب، مما يشكل تحديا وطنيا خطيرا.
هذا الواقع المأساوي الذي يعانيه شباب المغرب يستمر ويمتد في الزمن، رغم وجود إرادة ملكية صادقة لتجاوزه، عبّر عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في عدد من خطاباته السامية، التي أكد من خلالها على حرصه على تمكين الشباب وإعطائهم الأولوية في بناء مستقبل البلاد.
وقد شكلت هذه الخطابات الملكية مرجعا أساسيا لتوجيه السياسات العمومية، وبلورة استراتيجية وطنية للشباب تم إعدادها حين كان السيد محمد أوزين وزيرا للشباب و الرياضة .
تضمنت هذه الاستراتيجية رؤية شاملة تهدف إلى الإدماج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للشباب، من خلال أربع مكونات رئيسية:
▪ التكوين والتأهيل المهني لتمكين الشباب من مهارات تستجيب لمتطلبات سوق الشغل.
▪ دعم المبادرة الذاتية وتشجيع ريادة الأعمال.
▪ تعزيز المشاركة المدنية والسياسية للشباب.
▪ تقوية خدمات المواكبة النفسية والصحية والاجتماعية.
ورغم ما تضمنته هذه الاستراتيجية من أهداف واضحة ومؤشرات قابلة للقياس، فقد تم إقبارها لأسباب غير معروفة، وظلت حبيسة الرفوف، وهو ما يُعتبر خسارة كبرى لبلادنا.
كما أولت الحكومة الحالية في برنامجها الحكومي، أهمية كبيرة لموضوع الشباب، حيث تم التركيز على تحسين فرص الشغل، وتشجيع المبادرات الفردية، ودعم التكوين المهني، ومحاربة الهدر المدرسي.
وفي هذا الإطار، تم إطلاق برامج اقتصادية موجهة للشباب بميزانية إجمالية تناهز 14 مليار درهم، من أبرزها:
▪ برنامج “فرصة” لتمويل المشاريع الفردية، وقد استفاد منه عشرات الآلاف من الشباب.
▪ برنامج “انطلاقة” لدعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، حيث مكن من إحداث مقاولات ناجحة في قطاعات متعددة.
▪ برنامج “أوراش” الذي وفر مناصب شغل مؤقتة ودعمًا مباشرا للفئات الهشة.
لكن رغم هذه الجهود، ظلت نتائج هذه البرامج محدودة بسبب:
▪ تعقيد المساطر الإدارية.
▪ ضعف المواكبة والتكوين المستمر.
▪ هشاشة مناصب الشغل المحدثة.
▪ غياب التنسيق بين مختلف المتدخلين.
▪ غياب رؤية مندمجة بعيدة المدى.
كما أن السياسات العمومية في المغرب ما تزال تتعامل مع الشباب كمجرد مستفيد سلبي من برامج جاهزة، ويتم التركيز غالبا على البعد الترفيهي فقط، في حين تهمش الأبعاد العميقة المرتبطة بالتمكين الاقتصادي، والتوازن النفسي، والمشاركة السياسية، والعدالة المجالية.
ولم يتح للشباب أن يكون طرفا فاعلا في صياغة هذه السياسات، ما جعلها غير منسجمة مع حاجياته الحقيقية. كما أن غياب الالتقائية بين الفاعلين، وانعدام آليات التقييم والمحاسبة، جعل من هذه السياسات مجرد مبادرات موسمية لا تصمد أمام تحديات الواقع.
لذلك، لا بد من إعادة النظر بشكل جذري في طريقة التعامل مع قضايا الشباب، عبر تبني مقاربة شاملة تراعي أبعادهم الاجتماعية، النفسية، الثقافية، والاقتصادية، مع تعزيز التنسيق المؤسساتي، وضمان إشراك الشباب في كل مراحل صنع القرار.
إذ حين نرهن جيلا بأكمله، نرهن مسيرة الوطن ومستقبله.
و تجدر الإشارة إلى ضرورة استحضار المكتسبات الدستورية ذات الصلة بالشباب والتي تم إقرارها بالوثيقة الدستورية ل2011 ومنها أساسا الفصلين 170 و171 بإحداث مجلس الشباب والعمل الجمعوي، و الذي أسندت له عدة مهام تتجلى أساسا في دراسة وتتبع المسائل التي تهم مجالي الشباب والعمل الجمعوي.
وتقديم اقتراحات حول كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي.
وتنمية طاقات الشباب الإبداعية.
وتحفيز الشباب على الانخراط في الحياة الوطنية بروح المواطنة المسؤولة.
وقد توج بصدور القانون التنظيمي رقم 89.15 لهذه المؤسسة الدستورية بالجريدة الرسمية سنة 2018 .
و بالنظر إلى تعقد المشاكل المرتبطة بالشباب تتطلب المرحلة إخراج هذا المجلس إلى حيز الوجود الفعلي، وتفعيل مهامه كما نص عليها الدستور، لتجاوز التشتت والازدواجية التي تعاني منها السياسات العمومية المرتبطة بالشباب. إذ من خلال هذا الإطار يمكن بناء رؤية متكاملة وشاملة، تجمع بين مختلف المتدخلين، وتسهل الحوار وتبادل الأفكار، ما ينعكس إيجابا على فاعلية السياسات العمومية وعلى تحقيق تطلعات الشباب .