على امتداد قرابة 20 عاما، في مسار مهني صحافي مغربي احترافي، كان الوصول إلى قمم جبال الأطلس الكبير في وسط المغرب، وإلى قمم سلسلة جبال الريف في شمال المغرب، في مهام ميدانية، في ممارسة لرياضة مفضلة، تقرب الصحافي/ الإنسان من الناس ومن قصصهم، وتقرب من التحديات الصعبة، التي قد تبدو شبه مستحيلة، ولكنها ليست بتاتا صعبة في تقديري.
طبقت حرفيا البيت الشعري للتونسي الراحل الشابي من أراد النجاح فعليه صعود القمم، وحفرت هذه القمم في قلبي عبارة شخصية "التواجد بين القمم.. يشد الأزر ويشحذ الهمم".
ومن الضروري، تقديم واجب الشكر الجزيل لكل الفرق الصحافية من الكفاءات المهنية المغربية، التي رافقتني بصبر جميل، وبإصرار على الوصول الى آخر نقطة جغرافية ممكنة، توصل لها الطريق المعبدة، والعودة بقصة إنسانية تستحق أن تروى عن مغاربة يبدعون في أصعب الظروف.
مارست ميدانيا إصرارا على سلك الطرق الوعرة، والبقاء على المنعرجات بصمود المغاربة، وتجميع أجزاء القصة الكبرى التي خططت للعودة بها إلى قاعة المونتاج، في أجواء باردة جدا أو في أجواء حارة جدا.
في قرية تونفيت في إقليم خنيفرة بحثت عن قصص لمواطنين مغاربة يصمدون شتاء في مواجهة عدو غير مرئي اسمه البرد القارس أي أصميد باللغة الأمازيغية، وبعد بث الحلقة على شاشة التلفزيون، اعتبر زملاء في غرفة الأخبار أن هذه المعالجة غير مسبوقة في الإعلام الإخباري الدولي الناطق باللغة العربية.
ففي الصحراء الإفريقية الكبرى، مشيت راجلا مع فريقي، إلى أن انتهى الماء الشروب، مع دليل ميداني في الصحراء، مع ثلة من رجال أتراب، على امتداد ساعات طويلة جدا، ووسط حرارة استثنائية، مغامرة انتهت بوثيقة تلفزيونية حصلت على إشادة من منظمة الأمم المتحدة؛ عن آخر الرحل المغاربة.
حرصت نساء مغربيات من بطلات قطاع إنتاج الأركان على إيصال رسالة التهنئة، بعد بث حلقة تحقيقية ميدانية عن الذهب السائل المغربي، عن نساء مكافحات مغربيات حولتهن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى قوة إنتاجية لا تقهر، بعد أن نجحن في تحويل عزلتهن بين قمم سلسلة جبال الأطلس إلى محرك للتغيير الإيجابي.
فبعد بث التحقيق على شاشة التلفزيون، ساهمت بشكل كبير، في رسم صورة ذات مصداقية جدا عن نساء مغربيات مكافحات يوقعن على إنجاز بأنامل تكسر حبات الأركان على صخور، قبل المرور إلى عملية العصر لاستخراج الزيت.
في إقليم الحوز في وسط المغرب، التقيت شبابا مغاربة يبدعون في أفكار لمقاومة العزلة الجغرافية بين الجبال، يعلمون النساء الحرف اليدوية ويحاربن الأمية، في مراكز تنتج التغيير في أسوأ الظروف ووسط جغرافيا قاسية جدا.
تنبت القصص الناجحة دائما وسط أقسى الظروف في المغرب.
أفتخر بكل قمم الجبال المغربية التي وصلتها، وسأصلها من جديد في تجارب صحافية مهنية ميدانية قريبا جدا، لأن جسدي يحمل أوجاعا من طرق طويلة جدا ومن أسفار متعبة ومن قصص نجاة من الموت وسط الفيضانات ووسط سقوط الصخور من الجبال ومن حفر على طرق قديمة ومن أقدار ربانية كانت ابتلاءات جميلة انتهيت على السعادة مذاقا.
من ينقط اليوم للصحافيين المهنيين المغاربة، الذين نجحوا في كل التحديات، بأن صلاحيتهم المهنية انتهت، أقول له إن الأيام بيننا كاشفات عن معادن الرجال، وأن الميدان يحترم من يتقن صنعة الصحافة.
على امتداد عقدين اثنين من الزمن الصحافي المهني الميداني الاحترافي، تركت قصصا كبيرة جدا، لتحقيقات مصورة تنتمي إلى أنبل جنس صحافي على الإطلاق أي التحقيق.
فصحيح أن الإعلام يحتضر مغربيا وعربيا، وصحيح أن جيلا ذهبيا من الصحافيين يبحث عن تذاكر عبور وسط أزمة خانقة، ولكن الميدان يحترم من يحترمه.






