تعتبر الجزائر من الدول القليلة في العالم التي تُبدي تمسكًا مُفرطًا مفترضا بالقانون الدولي، لمجرد إيجاد غطاء قانوني لمغامراتها الأيديولوجية والسياسية والدبلوماسية في العالم.
دولة كالجزائر، التي قتلت أكثر من 200 ألف من مواطنيها، دون معرفة مصير نحو 30 ألفًا آخرين حتى اليوم، يجب أن تشعر بالخجل من إدانتها للإبادة الجماعية ، وهي أول من ارتكبها في حق مواطنيها. والأسوأ من ذلك، أن بعض مُرتكبي الإبادة الجماعية، لا يزالون يزاولون مسؤوليات على رأس هرم السلطة حتى اليوم. وقد بذلت الجزائر قصارى جهدها للحصول على مباركة دولية للتستر على جرائمها، تحت غطاء مكافحة الإرهاب الإسلامي، بل وتتفاخر بكونها رائدة في مكافحة الإرهاب. ولكن بالنسبة لجميع المراقبين الأجانب الذين كانوا وقتها في الجزائر عام 1992، فإن العنف المسلح ضد الدولة اندلع غداة إلغاء الانتخابات "الحرة والنزيهة"، التي فاز بها حزب إسلامي شرعي.
لماذا لا تُبد الجزائر تمسكا مماثلًا بالقانون الدستوري الداخلي، واحترامًا لنتائج صناديق الاقتراع وإرادة الشعب الجزائري، خلال انتخابات تشريعية نظمتها بنفسها ، وشهد بشفافيتها مراقبون دوليون قدموا إلى الجزائر بدعوة من الحكومة!
عند الاستماع إلى خطابات أحمد عطاف، وزير الخارجية، أو حتى مندوب الجزائر لدى الأمم المتحدة، يُندهش المرء بكل صراحة، لدرجة أنهما يُظهران تشبثا بالقانون الدولي يتجاوز حدود المعقول، في بلدٍ يمنع الشعب من السفر إلى الخارج (المنحة السياحة مُحدد ة في 100 يورو، ومن المتوقع نظريًا أن ترتفع إلى 750 يورو، أي 105 آلاف دينار جزائري، بسعر الصرف الرسمي).
مع أنها تدرك تماما أسباب الانسداد داخل مجلس الأمن، إلا أن الجزائر، ولأسباب دعائية محضة، تواصل الإدعاء بأن صمت الهيئات الأممية المسئولة عن السلم العالمي، أمام المخاطر الجسيمة التي تهدد السلم في العالم، مرده "تخاذل " مجلس الأمن، وكأن الجزائر هي الوحيدة التي تملك حق الدفاع عن قيم الإنصاف والعدالة في العالم.
لقد ثبت في آخر المطاف أن حماس الجزائر لولوج مجلس الأمن لمجرد الدفاع عن "قضيتها الأساسية" (البوليساريو) ذهب أدراج الرياح. فخلال عضويتها لمجلس الأمن، ، اعترفت قوتان كبرى بمغربية الصحراء، ولسوف يعتمد مجلس الأمن قرارٌا لتزكية المبادرة المغربية، قبل انتهاء ولاية الجزائر ، لتتويج مهمة عمار بن جامع. إن المفارقة التاريخية للجزائر واضحٌة اليوم. فبينما تُبدي الجزائر التزامها التام السطحي بالقضية الفلسطينية وغزة، تُحظر في نفس الوقت أي مظاهرة شعبية لدعم الشعب الفلسطيني، خوفًا من عودة الحراك الشعبي الذي هزّ أركان نظام الحكم في الجزائر. إن مثل هذه المظاهرة قد تُشعل شرارة ثورة شعبية جديدة. الجزائر تعيش على جمر قد يشتعل في أي لحظة.