تحليل

الدبلوماسية المغربية: بين دعم الحكم الذاتي وتوسيع الشراكات الدولية

ابراهيم الخياطي

في زمن التحولات الجيوسياسية والرهانات المتعددة، يبدو أن الدبلوماسية المغربية تمضي بخطى واثقة نحو ترسيخ حضورها على الساحة الدولية، لا فقط عبر تعزيز شرعيتها الترابية، بل أيضًا من خلال توسيع شبكة علاقاتها الاستراتيجية في العالم. وبين أوراق السياسة الهادئة وإشارات القوة الناعمة، يظهر أن ملف الصحراء المغربية لم يعد مجرد "قضية وطنية"، بل تحول إلى بوابة كبرى لفهم تحولات المغرب نفسه... من الداخل إلى العالم.


دعم يتكاثر... والموقف البريطاني يطفو

خلال الأسبوع الأول من يونيو 2025، أصدرت المملكة المتحدة موقفًا داعمًا لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل "جدي وواقعي وذي مصداقية"، وهو التعبير الذي يُعدّ في لغة الدبلوماسية الغربية إشادة واضحة بمبادرة الرباط وتجاهلًا ضمنيًا للأطروحات الانفصالية.


بريطانيا، التي كانت تاريخيًا محافظة في مواقفها تجاه قضايا المغرب الاستراتيجية، بدأت في السنوات الأخيرة تنحو منحى جديدًا. دعمها الأخير لا يمكن قراءته فقط في سياق سياسي، بل في إطار اقتصادي وتجاري كذلك، خصوصًا بعد توقيع مذكرة تفاهم جديدة بين الرباط ولندن لدعم تنظيم مونديال 2030، وتعزيز الشراكة في مجالات الطاقة والتجارة والابتكار.


هذا التحول يوضح أن المغرب لا يكتفي بحشد الدعم السياسي، بل يربط مصالحه الترابية برهانات التنمية والانفتاح الاقتصادي، وهو ما يجعل الحلفاء يعيدون النظر في تموقعهم أمامه.


القارة السمراء... الامتداد الطبيعي

في المقابل، يواصل المغرب حصد المزيد من الاعترافات والدعم داخل القارة الأفريقية، خصوصًا من الدول الواقعة جنوب الصحراء. الدعم المتجدد من جزر القمر، وساحل العاج، والغابون، وغيرها، لم يعد مفاجئًا، بل أصبح تأكيدًا على أن المقاربة المغربية للقارة تنجح في تحقيق نتائج ملموسة، بعيدًا عن الخطابات والشعارات.


فالمغرب لم يأتِ إلى أفريقيا ليعطي دروسًا، بل جاء ليساهم في مشاريع البنية التحتية، وتكوين الكفاءات، وربط المصالح المتبادلة، مما جعل العديد من العواصم الأفريقية تنظر إليه بوصفه شريكًا جديرًا بالثقة، لا مجرد "فاعل إقليمي" يحاول فرض أجندته.


الحكم الذاتي... من فكرة إلى مرجعية

قبل عشرين سنة، كان الحديث عن الحكم الذاتي يُواجه بالتشكيك والتأويل. اليوم، بات هذا المقترح هو المرجعية الأساسية التي تُقاس بها مواقف الدول والمنظمات الدولية. لم يأتِ هذا التحول صدفة، بل كان نتيجة عمل دبلوماسي طويل، يمتد من المؤسسات الرسمية إلى الدبلوماسية الموازية، بما فيها الجاليات المغربية بالخارج، ومؤسسات المجتمع المدني، والتغطيات الإعلامية الموجهة بدقة.


وإذا كان الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء سنة 2020 قد شكل لحظة مفصلية، فإن ما تلا ذلك من مواقف أوروبية وأفريقية جديدة يكشف أن الأمر لم يكن مجرد "استثناء سياسي"، بل بداية لمسار دولي يُعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة المغاربية.


من ملف ترابي إلى استراتيجية وطنية

الذكاء المغربي في إدارة هذا الملف لم يكن فقط في كسب الاعترافات، بل في تحويل قضية الصحراء إلى رافعة استراتيجية لعدة مجالات:


اقتصاديًا: من خلال الاستثمار في الأقاليم الجنوبية وربطها بباقي الجهات.


ديبلوماسيًا: بتحويل الملف إلى موضوع شراكات وازنة.


ثقافيًا: بإبراز التنوع الصحراوي كجزء من الهوية الوطنية الجامعة.


وهنا يصبح من المشروع أن نتساءل: هل نحن أمام تحول في مفهوم السيادة نفسه؟ المغرب لا يكتفي بتأكيد سيادته، بل يعيد صياغتها على أسس أكثر مرونة وشمولًا، تربط الأرض بالتنمية، والتاريخ بالمستقبل.