تحليل

بوريطة رأس يفاوض بثقل الوطن

ميمونة الحاج داهي

هل أصبح ناصر بوريطة هدفا، الرجل الذي لا ينحني إلا للخريطة..

و لماذا الآن؟

هذا أول سؤال يقفز إلى الذهن حين يبدأ البعض، فجأةً وبإلحاح، في النبش في ذمة ناصر بوريطة، ومحاولة التشكيك في مصداقيته. لا أحد يقولها صراحة: "نريد رأس وزير الخارجية المغربي". لكن الرسائل واضحة، والأسلوب مألوف: التلميح قبل التصريح، والتشكيك قبل الإدانة، ثم تُترَك النار مشتعلة لتأكل ما تيسر من الثقة.

لكن لماذا الآن بالذات؟

ناصر بوريطة ليس وزيرًا عابرًا في تاريخ الخارجية المغربية. هو ابن المؤسسة، خرّيج دهاليزها، وصاحب الملفات الثقيلة، من قضية الصحراء إلى اختراق جدران الاتحاد الإفريقي، من هندسة التوازنات الدقيقة مع القوى الكبرى، إلى ضبط إيقاع التحالفات الإقليمية. ليس مثاليًا، وليس منزّهًا، لكنه أصبح في وجدان الدولة أحد أعمدة السيادة الدبلوماسية.

فما الذي يُزعج كل هذا الحدّ؟

من الذي يرتبك حين يتحرّك بوريطة؟

وهل المطلوب فعلاً مساءلة الأداء، أم استهداف صورة رجل يُنظر إليه من الداخل والخارج كأحد واجهات "المخزن الجديد"؟

المرور من أسئلة الأداء إلى حملات التبخيس ليس تفصيلا بريئا. بل هو انتقال محسوب من نقد الفعل إلى محاولة نسف الثقة في الأشخاص، خاصة أولئك الذين يمثلون "مؤسسات الدولة" خارج حدودها. وهنا يكمن الخطر الأكبر.

ليست هذه أول مرة تُستهدف فيها شخصية سيادية بارزة في المغرب. قبل بوريطة، كانت هناك فترات أُطلقت فيها حملات مشابهة ضد وجوه أمنية، قضائية، أو حتى اقتصادية. الجديد اليوم هو أن معركة الشرعية لم تعد تُخاض فقط داخل المؤسسات، بل تُنقل بمهارة إلى الرأي العام، تُفكك عبر المنصات، وتُبث بصيغة تُشبه التسريبات، بينما هي في حقيقتها جزء من صراع مراكز القوى.

هل نحن أمام محاولة "تقليم أظافر" رجل بدأ يأخذ مساحة أكبر مما يُسمح بها؟

أم أن هناك انزعاجًا من نهجه، من تموقعه، من استقلالية أدائه التي لا تريح الجميع؟

أم أن بوريطة ليس سوى واجهة لهدف أعمق: الدولة نفسها؟ أو على الأقل صورتها كما تسعى أن تُقدِّم نفسها في الداخل والخارج؟

أخطر ما في الهجمات التي تستهدف شخصيات مثل ناصر بوريطة أنها لا تأتي مباشرة. بل تُلبس لبوس الرقابة والشفافية، تُروّج بمفردات محببة للرأي العام: "الحق في المعلومة"، "محاربة الفساد"، "الشفافية"، إلخ. لكن حين نتأمل السياق، ونقرأ ترتيب الأحداث، ونربط الخيوط، يتضح أن المسألة تتجاوز مجرد "حق المعرفة" إلى ما يُشبه "حق التبخيس".

نحن أمام نوع جديد من المعارك: معارك لا تُخاض في مجلس النواب، ولا في دواليب الصحف الكبرى، بل تُخاض بين تغريدة ومقال مأجور، بين فيديو يوتيوب ومعلومة مبتورة، بين قصف معنوي وتواطؤ بالصمت.

التحدي ليس في بوريطة وحده، بل في منطق الاستهداف

من السهل أن نقع في فخ الشخصنة: أن ندافع عن بوريطة كأنه ملاك، أو نُهاجمه كأنه شيطان. لكن التحدي الحقيقي أعمق من ذلك بكثير. المسألة تتعلق بمنطق بدأ يستقر: كل من يرتفع رأسه في هرم الدولة، يصبح مستهدفًا... وكل من يمثل ركيزة من ركائز السيادة يصبح مشكوكًا فيه، حتى تثبت براءته في محكمة الشارع.

فهل هذا مناخ صحي لدولة تتطلع إلى تثبيت نموذجها التنموي، وحماية أمنها القومي، واستعادة توازنها في بحر إقليمي هائج؟

هل من الحكمة أن نفتح الباب لتصفية الحسابات عبر المنصات بدل المؤسسات؟ نصاع لأجندات خارجية تستهدف استقرار بلادنا..

أم أن الغاية تبرر الوسيلة، حتى لو كانت النتيجة ضرب الثقة في الدولة نفسها؟

بالنسبة لي رغم أن الأسئلة ستظل مفتوحة، والإجابات مؤجلة. لكن من المؤكد أن زمن الصمت قد انتهى. ومن حقنا، كمواطنين، لا أن نُصفق أو نُهاجم فقط، بل أن نسأل بوعي: من يُهاجم من؟ ولماذا؟ وفي أي توقيت؟ وما الذي يُراد حقًا من وراء كل هذا الضجيج؟..الوطن مسؤوليتنا جميعا، و علينا الإنصات بذكاء حتى لا ننساق وراء الدجالين ..