رأي

إيمان الرازي: هرمومو-رباط الخير.. الأوليغارشية وتقويض الثقة

لم يكن الصراع المندلع في سوق هرمومو مجرد تماس عارض بين باعةٍ ومواطنين، بل هو تعبير اجتماعي بالغ التكثيف عن المدى الذي بلغته هشاشة التوازن الاجتماعي الرازح تحت السطوة النيوليبرالية المنفلتة من أي ضابط اجتماعي وأخلاقي.

هذا الحدث، في ماهيته، لن يكون سوى حلقة من حلقات التعبير الشعبي المتوتر الذي باتت أشكاله اللا متوقعة تتسارع. وهو التسارع الذي يجد شروط تغذيته في تضخم الأسعار وفي عبثية إجراءات الحماية الاجتماعية التي لن يستطيع النيوليبراليون ترجمة فلسفتها الملكية. وكيف يتأتى لهم ذلك والاستئثار هو الموجه لكل اختياراتهم؟

في مواجهة ذلك، يبدو أن بسطاء الوطن يخططون إلى أن يتحولوا إلى فاعل اقتصادي بدل التلقي السلبي لاختيارات أقلية ترهن مصيرهم ومصير أبنائهم في تفكير يبعث على الأرق. لكن أخشى ما أخشاه هو أن يقرروا لعب دور الفاعل بطريقة أكثر شراسة غير محسوبة العواقب، خاصة في ظل تراجع الطلب على النضال الممأسس عموما، وفي انحسار الفعل التأطيري في هوامش جغرافية على وجه التحديد. وضع كهذا، تصبح العاطفة الجماهيرية هي الموجهة الأساس لحركيته ويستعاض فيه بالتطرف المطلبي عن التفاوض لتحقيق المكاسب وفق نهج متدرج.

لكن ماذا بعد؟

ما الذي يلزمنا بالاستمرار في رؤية هذا التغول وهو يمعن في تكريس الفقر والاحتكار ويسابق زمن ولايته الحكومية من أجل تدجين الدولة وتحويلها إلى مجرد خادم مطيع بل إلى “عبد مشرط الحناك” لصالح نسيج مصلحي لا يرى أبعد من أرنبة أنفه؟ إلى متى ستظل السلطة العمومية تراقب هذا الانفلات كما لو أنه قدر محتوم، أو كما لو أن التدخل لوقف النزيف ضرب من المغامرة السياسية؟ أليس هذا أوان إثبات السلطة التاريخية للدولة، في تفعيل كامل للمنوط بها في حماية الأمن الاجتماعي والاقتصادي؟

من سيقنع المستضعفين بعد كل ما جرى أن الدولة لم تكن ظهرا لهم من بطش الغاشمين إن هي قررت إرجاء التدخل؟

أكتب وأنا ممتلئة من اليقين أن الدولة لن تسمح للتغول الأوليغارشي أن يحولها إلى ظل باهت لمصالحه، في ظرف تتناسل فيه محطات التعبير الشعبي الغاضب، مع مستجد ينبغي أن لا تخطئه العين هذه المرة: التعبيرات الغاضبة في كبريات المدن (الدار البيضاء ومراكش…) وفي هوامش جغرافية أيضا (هرمومو-بني فراسن…) تنتظر أن يصلها “غودو” ووعده بالتنمية.

واضح إذن أننا أمام منعطف جلل لا مكان فيه للتردد أو إعادة تدوير حلول مستهلكة أو ترك التغول في لعبة المراهنة على “إنهاك حالة الامتعاض الجماعي”.

إنَّ الاعتمالات الشعبية اليوم، والقادمة من المغرب العميق، هي تأكيد لأزمة في الرؤية والنموذج الحكومي، القائم على الافتراس وعلى الدفع بالأزمة إلى مداها، مع انسحاب تكتيكي يلوذ بالصمت وصم الآذان.

المؤكد مع كل هذا، أن أي تقدير يرى تأجيل التدخل من أجل وقف النزيف، سيكون عليه أن يراجع قراره، لأننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من نقطة اللاعودة.

اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.