ليس من السهل أن تتمرد على القيود الأخلاقية المصطنعة، في بيئة متسلطة لا تعترف بالمعنى الأسمى للحرية بكل تلاوينها، فالبحث عن لحظات السعادة وتحطيم أصفاد الزمن المختل الذي شكل مصيرك بتواطؤ مع سلطة غاشمة، تنظر الى أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الفرد على أنها خطايا تستوجب العقاب، يعتبر مجازفة وانتحارا.
هكذا بدأت هذه السنة بمشاهدة الفيلم الإيراني "كعكتي المفضلة" الذي يعرض هذه الأيام في النوادي السينمائية الهولندية. امرأة سبعينية تعاني من وحدة شديدة بعد وفاة زوجها وهجرة أبنائها، امرأة وجدت نفسها فجأة داخل سجن جميل، هو بيتها الكبير وحديقتها الغناء، لكن دون شريك ولامؤنس، وبعد رحلة بحث تخللتها تفاصيل يومية تبرز معاناة المرأة والرجل معا مع أبسط حقوقهما، تجد أخيرا شريكا يشاركها نفس العمر تقريبا، ونفس الحالة الاجتماعية والنفسية، وفي خضم بهجتهما وسعادتهما بلحظة اللقاء -السري طبعا- يموت الشريك وتجد المرأة نفسها مجددا وحيدة واقفة بقهر على مسرح الحياة، لكن بميت مدفون في حديقتها.
الفيلم يقدم لمحة خاطفة عن السينما الايرانية الجديدة التي بدأت تظهر بقوة، سينما مباشرة في صدامها مع حراس الأخلاق في ايران، سينما متمردة وثائرة على البيئة الاجتماعية المفروضة فرضا على الايرانيين، هو لا ينتقد من تحت الطاولة، ولا يمرر خطابه بين السطور، بل بحوار مباشر ولغة بصرية مكشوفة، وهذا ما جعل مخرجته مريم مقدم وزوجها الذي شاركها الإخراج بهتاش صانعي، يخضعان للتحقيق من طرف السلطات الايرانية، ويمنعان من السفر الى مهرجان برلين أثناء عرض فيلمها في دورته الأخيرة، الفيلم بسيط للغاية من الناحية الدرامية، لكنه عولج بلغة سينمائية أنيقة، تمزج بين لحظات السعادة، والفرح، والوحدة، والموت، والتمرد... بشكل سلس يخدم حبكته، قد تشعر بالتطويل في بعض جزئياته، لكن ترابط عناصر السيناريو وانسجامها، وكذا تماسك بناؤه الدرامي، لن يشعراك بالملل.
الرغبة في التحرر من الكبت والقمع، رغم مظاهر الحياة والانعتاق المزيفان، هذا هو العنوان العريض لهذا الفيلم الجميل والقوي حقا في كل عناصره، وزاد من قوته الأداء المميز لبطلته ليلي فرهادبور، وكذا الممثل إسماعيل مهرابي، الذي شاركها التميز في المرحلة الأخيرة.
الفيلم يستحق المشاهدة