فن وإعلام

مهرجان بويا الموسيقي يختتم فعاليات دورته العاشرة

كفى بريس (مراسلة - الحسيمة)

أسدل مهرجان بويا الموسيقي الستار على فعاليات دورته العاشرة، التي امتدت من 25 إلى 28 دجنبر 2024 بمدينة الحسيمة.

وشهدت هذه التظاهرة الفنية والثقافية، التي أضحت إحدى العلامات البارزة في الأجندة الثقافية المغربية، حشدًا من المبدعات والفرق الموسيقية النسائية، في مشهد يزدان بالألق والإبداع، ويُترجم حيوية الفن النسائي المغربي في أبهى حلله.

1 . كلمة مدير المهرجان عزيز البقالي: نفحات أدبية ورسالة أمل

في افتتاح اليوم الختامي للمهرجان، اعتلى مدير المهرجان، الأستاذ عزيز البقالي، منصة دار الثقافة الأمير مولاي الحسن بمدينة الحسيمة، ليُعرب بكلمات رقيقة عن فخره واعتزازه بما حققته هذه الدورة. جاءت كلماته مفعمة بالأمل والتفاؤل، نابضة بحب المكان والإنسان، وبعشق الفن والموسيقى التي تؤلِّف، بحسب تعبيره، “سمفونية وحدة وترابط بين الثقافات”.

وقال البقالي في مستهل كلمته:

“إن مهرجان بويا ليس مجرد حدث فني عابر، بل هو مرآة تعكس عطاء المرأة المغربية وإبداعها المتجدد، كما يجسِّد فكرًا منفتحًا على كل الثقافات، ويمد جسورًا تربطنا بتراثنا الأصيل وتدفعنا نحو التجديد والابتكار. إننا اليوم إذ نختتم فعاليات هذه الدورة العاشرة، فإنما نُعلن للعالم أن الحسيمة باتت قلعة للإشعاع الفني ومنارة للحوار الثقافي.”

اختتم البقالي حديثه بدعوة الجميع إلى جعل مهرجان بويا موعدًا ثابتًا للاحتفاء بالموسيقى النسائية المغربية والأفريقية والعالمية، مشيرًا إلى أن المرأة قادرة على قيادة قاطرة الإبداع نحو آفاق رحبة من التألق والإنجاز.

2 . سفيرة الفرح وأيقونة التألق: الفنانة نوميديا في تقديم ختامي مميز

لم تكن السهرة الختامية مجرد محطة أخيرة في أجندة المهرجان، بل تحولت إلى احتفال فريد تمزجت فيه الإيقاعات والأصوات النسائية بأجواء من الحماس والتفاعل. وقد أَسندت مهمة تقديم هذه السهرة للفنانة نوميديا، التي عُرفت بكونها “سفيرة الفرح” لما تتمتع به من عفوية وبريق أخَّاذ فوق خشبة المسرح.

بأسلوبها الرفيع الذي يجمع بين الحضور الهادئ والطاقة المتدفقة، استقبلت نوميديا ضيوف المهرجان والمشاركين فيه، مؤكدة في كلمتها الافتتاحية على أهمية هذه المنصة الثقافية والفنية في تعزيز مكانة المرأة المغربية. وقالت بنبرة مليئة بالفخر:

“مهرجان بويا هو رسالة من القلب إلى العالم، تؤكد أن الفن النسائي المغربي حاضر بقوة، وأن المرأة المغربية حين تُعطى فرصتها في الإبداع، تُشرِق كالشمس وتمنح الدفء للمشهد الفني بأكمله.”

3 . الفنانة لارا وهابي تُضيء السهرة الختامية

من أبرز مفاجآت ليلة الختام، جاء أداء الفنانة لارا وهابي، التي اعتلت خشبة المسرح وسط ترحيب صاخب. جذبت لارا الأضواء بصوتها الشجي الذي يمزج بين التراث الأمازيغي الريفي واللمسات العصرية. انطلقت بأغنية “سيورام”، قبل أن تقدم باقة من أغانيها المميزة، من بينها “إيزوران ن تمازيرت” التي لامست فيها أوتار القلوب بحنينها وعاطفتها الجياشة.

وقد نوّه الجمهور والنقاد على حد سواء بإبداع لارا وفرادتها، إذ نقلت الحضور في رحلة وجدانية تُضفي على الموسيقى بعدًا تأمليًا وتسافر بهم بين أصالة الريف المغربي وحداثة المشهد الموسيقي العالمي.

4 . فرقة "أفريكا فوزيون" تُبهر الجمهور في السهرة الختامية لمهرجان بويا

شاركت فرقة "أفريكا فوزيون" في السهرة الختامية لمهرجان بويا النسائي، حيث قدمت عرضًا موسيقيًا استثنائيًا ألهب حماس الحاضرين. وبتناغم فريد بين مختلف الايقاعات والأنغام العصرية، نجحت الفرقة في خلق أجواء مفعمة بالطاقة والإبداع، تاركة بصمة فنية مميزة في هذه الدورة. جاءت مشاركتهم لتُبرز ثراء الثقافة وتؤكد على دور الفن في جمع الشعوب وتعزيز قيم التنوع والانفتاح. وتأتي مشاركة الفرقة كتأكيد على أهمية الموسيقى في بناء الجسور بين الثقافات وإبراز الهوية بأسلوب حداثي راقٍ.

5 . الفنانة “أومي” أميمة بلاح: صوت مغربي واعد بأبعاد عالمية

ومن جيل الصاعدات اللواتي يزاوجن بين التراث المغربي وفضاء الموسيقى العالمية، تسطع الفنانة "أومي" أميمة بلاح، التي شدت انتباه الحضور بأسلوبها الفريد وجمال صوتها الدافئ. برفقة فرقتها الموسيقية، قدمت أميمة عرضًا يفيض حسًا مرهفًا وقدرة على إعادة تشكيل الأغنية المغربية في قالب عصري.

"رونق الأصيل" و**"نسمات الصباح"** كانتا من أبرز الأعمال التي أتحفت بها الجمهور، حيث حملت كلماتها رسائل إنسانية تدعو للتسامح والتعايش، وتركت بصمة خاصة في نفوس الحاضرين الذين تجاوبوا بالتصفيقات الحارة والهتافات المستمرة.

6 . حضور وازن لشخصيات مدنية وفنية وإعلامية

أضفت حفاوة الاستقبال وحرارة التفاعل الجماهيري مزيدًا من التألق على الليلة الختامية. فقد شهدت القاعة حضور نخبة من الشخصيات المدنية والفنية والجمعوية، بالإضافة إلى ممثلي المجتمع المدني والمنظمات النسائية. وعلى الصعيد الرسمي، حضر مسؤولون محليون وجهويون، عبّروا عن اعتزازهم بالاحتضان الدائم الذي توليه الحسيمة للمبادرات الثقافية الرائدة.

كما كانت المنابر الإعلامية الوطنية والدولية، المكتوبة منها والمرئية والرقمية، حاضرة بقوة لتغطية فعاليات المهرجان، وهو ما يؤكد المكانة الرفيعة التي بلغها مهرجان بويا الموسيقي على الصعيدين الوطني والإقليمي.

7 . مهرجان بويا النسائي: منصة للإبداع والتمكين

منذ تأسيسه، حرص مهرجان بويا النسائي على تقديم رؤيةٍ تحتفي بالإبداع النسائي وتمكِّن المرأة المغربية من إبراز قدراتها الفنية. وقد شهدت دورته العاشرة تنوعًا استثنائيًا في العروض الموسيقية، ما بين موسيقى أمازيغية وإفريقية وعربية، في تناغم فني يبرز ثراء المشهد الثقافي المغربي.

لم تكن المشاركة مقتصرة على الأصوات المغربية فحسب، بل أشرك المهرجان أصواتًا إفريقية شابة، لتجسيد روح التنوع والانفتاح على الآخر. وبذلك، رسّخ المهرجان مكانته كمنصة ثقافية تلتقي فيها الإبداعات النسائية على اختلاف ألوانها ومشاربها.

8 . تفاعل الجمهور ورسائل الفن والثقافة

توالت عروض السهرة الختامية وسط تفاعل كبير من الجمهور الذي ملأ جنبات دار الثقافة الأمير مولاي الحسن. التصفيقات الحارة لم تهدأ، فيما تعالت الهتافات تعبيرًا عن التشجيع والإعجاب بالمواهب الصاعدة.

وقد أجمع الفنانون المشاركون في كلماتهم على أن الموسيقى تمثّل جسرًا حضاريًا قادرًا على جمع القلوب وتوحيد الرؤى، مؤكدين أن المرأة المغربية بوعيها وموهبتها وإرادتها تشكل ركيزة أساسية في إثراء المشهد الثقافي الوطني.

9 . كلمة ختامية ومد جسور المستقبل

مع إسدال الستار على الدورة العاشرة، شكر مدير المهرجان عزيز البقالي وكل من ساهم في إنجاح هذه التظاهرة، مشيرًا إلى أن الحسيمة، بفضل تاريخها العريق وجمال طبيعتها، ستظل حاضنة للإبداع ومهوىً لكل عاشق للفن والثقافة.

كما عبّرت الفنانة نوميديا، في كلمة ختامية، عن اعتزازها بتقديم هذا الحدث الذي وصفته بـ”الاحتفال بالموسيقى والمرأة والإنسان”، مؤكدة على دور الإعلام في دعم المواهب النسائية، وعلى ضرورة إتاحة الفرص أمام الشابات المغربيات لتقديم إسهاماتهن الخلّاقة في مختلف المنابر الثقافية.

بهذه الصور المتلاحقة من الفرحة والتألق، انقضت أيام مهرجان بويا النسائي للموسيقى في دورته العاشرة، مخلفةً وراءها ذكريات لا تُنسى وأصداءً جميلة ستظل عالقة في الوجدان. لقد رسّخ المهرجان مكانة الحسيمة كوجهة ثقافية وفنية، يتلاقى فيها عبق التراث المغربي مع نبض المستقبل.

التوصيات الصادرة عن المهرجان:

في إطار السعي الدؤوب لمهرجان "بويا" النسائي في دورته العاشرة إلى إبراز الإبداع النسائي والارتقاء به في مختلف ربوع الوطن والعالم، وعلى ضوء رسالته النبيلة في إثراء المشهد الفني والثقافي، نتشرف بتقديم التوصيات الآتية:

1.دعوة المؤسسات العمومية والمتخصصة لدعم التظاهرات الثقافية والفنية الجادة والمسؤولة

إننا نحثّ سائر الهيئات الحكومية وشبه الحكومية، وكذا القطاع الخاص، على الإسهام في الرقيّ بالفعل الثقافي والفني، بما يكفل استدامة هذه التظاهرات ويضمن لها أفقًا أرحب في سبيل تطوير الإبداع وإشاعة قيم الجمال والتنوّع.

2.استكمال تأهيل وترميم موقع “المَزْمَة الأثري” عبر إحداث فضاء للتظاهرات الفنية والثقافية

نؤكد على أهمية الحفاظ على الذاكرة التاريخية للمنطقة من خلال ترميم هذا المعلم التراثي العريق، وتمكينه من وظائف حيوية تشمل احتضان فعاليات ثقافية وفنية، بما يكرّس الهوية المحلية ويصون الموروث الحضاري الغني.

3.التأكيد على ضرورة افتتاح المسرح الكبير بالحسيمة والمعهد الموسيقي لاحتضان الفعاليات الفنية والثقافية

نُجدّد مطالبتنا بالتعجيل بفتح هذين المعلمين الحيويين أمام مختلف الفعاليات الإبداعية، بما يعزز الدينامية الثقافية في المنطقة ويتيح للفنانين والمبدعين فضاءً رحبًا للتعبير عن مواهبهم، وترسيخ قيم التنوع والانفتاح.

4.توفير الموارد البشرية المؤهلة والعناية بالفنانين عبر إدماجهم الفعلي في التنمية الثقافية

نُلِحّ على ضرورة تزويد الفضاءات الفنية والثقافية بأطر وخبراء ذوي تكوين رفيع، وتقديم الدعم اللازم للفنانين من حيث التكوين والتمويل والمواكبة، ليكونوا رافعةً أساسيةً في تنشيط الحياة الثقافية وتحقيق التنمية الشاملة بالمنطقة.

5.السعي إلى توحيد الجهود بين كل المتدخلين في الحقل الفني والثقافي لضمان الالتقائية والنجاعة

نهيب بجميع الفاعلين من قطاعات حكومية ومؤسسات مدنية ومبدعين أفراد، التنسيق وتضافر المساعي بما يكفل انسجامًا أكبر في الرؤى والبرامج، وتحقيق أثر إيجابي ملموس يعود بالنفع على المشهد الثقافي والفني ويلبي تطلّعات المجتمع.

إن هذه التوصيات تمثّل خارطة طريق طموحة لترسيخ دور الفن والثقافة في خدمة التنمية الشاملة، وإشاعة قيم الانفتاح والابتكار، سعيًا إلى إثراء المشهد الثقافي المغربي والارتقاء به في مصاف التجارب الرائدة عالميًّا. وإذ نعرضها باقتناع راسخ، فإننا نأمل أن تنال العناية والتنفيذ الملائمين، تكريسًا لرسالة مهرجان "بويا" النسائي في التنوير الثقافي وترسيخ قيم الإبداع والتميز.