خطابُ الملك محمد السادس بمناسبة ذكرىالمسيرة الخضراء، خطابُ القائد الوطني الذي يرفع صوْته لترصيد المُكتسبات وإعْلاءالحقائق وإفهامها لمن يتجنَّبُها ويَتعامَى عنها....
بعد خطاب افتتاح البرلمان ليوم 11أكتوبر المُنصرم، خطاب 6 نوفمبر، مرة أخرى، يُبرز مَركزية القضية الوطنية فيالحياة السياسية المغربية، ويُثمِّنالتعبئة الشعبية حوْلها، والتي كانت من عوامل انْتصارها وملْئِها بقوَّة الحقوتغذيتها بحصانة الشرعية الوطنية... وهي التعبئة المطلوب أن يتواصل فيها تعاضُدالجهود الشعبية، في هذه المرحلة الحاسمة من تسْيِيج القضية الوطنية المغربيةبانتصاراتها الدولية... وهو تعاضد لمغاربة العالم فيه إسهام كبير، بصونهم لوطنيتهموإسهامهم في حركيته التنموية... وفي خطابه أمرٌ ملكي بتمتيعهم بإطار مؤسساتي موحدومتجدد يمكنهم من تطوير وترشيد فعالياتهم داخل وطنهم وفي ديار هجرتهم... وستكون"المؤسسة المحمدية" لمغاربة العالم تجديد تنظيمي، يفيدهم وبهم يفيدالمغرب...
هي دعوَة لموَاصلة المسيرة الشعبيةالمغربية بطاقات كل المغاربة، داخل وخارج الوطن، وبكل اجتهاداتهم السياسية،الاجتماعية والديمقراطية، لانتزاع دَمْغة الشرْعية الدولية لمغربية الأقاليم الصحراويةالمُسترجعة منذ 1975 ... والعالم اليوم بات أكثر تفهُّما وأكثر اقتناعا بصوَابيّةوسِلْمية وواقعية المُبادرة الملكية لحل النزاع بمُقترح الحكم الذاتي... وهو صيغة توافقية وسياسية، من صيَغ تقرير المصير... يفتح مَسْلكالحلِّ النِّزاع، ويُؤمِّن للجزائر خروجا مشرِّفا من وَرطْتها فيه، ويضمن لها ممرًّاللمحيط الأطلسي، في سياق المبادرة الأطلسية التي أطلقها ملك المغرب... ممر مُثْمِرٌ،مضمونٌ، أخويٌّ ودائمٌ والأهم أنه يفتح لحكام الجزائر ممرًّاإلى الواقع كما هوَ وينْتشلهم من أوْهامٍ شاخَت وباتت بعيدة عن سنوات نشأتها ومنفصلة عن معطيات الواقع ومصالحالجزائر ...
وللأسف، مصالحالجزائر يُضيِّعُها حكامها بحقدهم... الحقد شعورٌ بِدائيٌّ، غريزيٌّ خامّ... يستعصيعلى تهذيب الثقافة ومحاذير الأخلاق وتبصُّر العقل... إنه كذلك عمد الإنسان وضاربه... وعند الدول "هو أسوأ موَجِّه للسياسة"، كما أوضح ذات ثورة روسيةزعيمها فلاديمير لينين، يُهلكها، حين يُملي عليها التصرف الخطأ جراء التملك الخطأللقضايا والتحليل الخطأ للأحداث والوقائع... وهي حالة حكام الجزائر... منذ عهدهواري بومدين وإلى أيام السيد عبد المجيد تبون هذه... جعلوا الحِقد على المغرب فيمَنْزلة العقيدة... تصدر عنها تدابيرهم السياسية لإدارة البلاد، بتفاعلات داخلهامع خارجها....
عقيدةبسياساتها، لم تُنتج لجنرالات الحكم سوى الخيْبات والفشالات، على مدى، أقلاًّ، هذهالعقود الخمسة الأخيرة... وهي عمر "المَشْغَلَة" الانْفصالية الَّتي زنَّدَتْهاورعتْها ضد المغرب جماعة الحكم في الجزائر... وهي الآن تتحوَّل فيها ولديْها إلى مُعضلةمن جَمَرات بين يديْها، تُؤْذيها وَحدَها...
مُمثل الجزائرفي الأمم المتحدة تدخَّل في جلسة مجلس الأمن التي أصدرت القرار الأخير حول نزاعالصحراء المغربية... كان على قدْرٍ كبيرٍ من السَّذاجة وهو يحكي كيف أن المندوبالأمريكي (مُحرِّر القرار) "خَدَعه"، حين وافقه على التعديلات التي طلبباسم الجزائر إدخالها على مشروع القرار وكيف أنه وعده باطلاعه على المشروع المعدل...ويقول "انتظرته حتى الساعة الخامسة والنصف، واكتفى بأن بعث لي نسخة من مشروعالقرار خالية من تعديلاتي"، ويضيف "وقع تجاهل الجزائر"...، ولم يقلأن الأمريكي رَفَض التعديلات... الرجل عبَّر عن شُعور حاد بالإهانة... وكأيِّ طفل"تجري ترضيته بإيهامه أن كلامه مقبول، ويتجاهله المستمع بعد ذلك... فيغضبالطفل وينسحب من "اللّعبة"... غضبَ المندوبُ الجزائري ولم يُشارك فيالتصويت...
والحال أنالتجاهُل هو ما تقابِل به دول العالم، بدءا من أعضاء مجلس الأمن، تعنُّت حكامالجزائر وعِنادِهم في إدامَة نِزاعٍ، قابلٍ للاشتعال، بيْنما وَجد له المجتمعالدولي في مبادرة الحكم الذاتي مَعْبَرا إلى الحلٍّ السِّلمي... وقد ترادفت علىحكام الجزائر حالات مؤلمة من التجاهل... أولها تجاهل قاموسها في النزاع وفي مركزهمقولة الاستفتاء، وهم من عرقلوا تحقيقهحتى أخرجته الأمم المتحدة من مفردات تعاطيها مع النزاع، كما أوضح الملك محمدالسادس في خطابه... المجتمع الدولي ألغى تلك "الأطروحة" من حساباته ومنقراراته... وحلَّ محلها مقترح الحكم الذاتي...
ومن أمثلةالتجاهل أيضا ما صدر عن روسيا من تجاهل، في مجلس الأمن، للجزائر، أولا برفضتعديلها المطالب بإقحام المينورسو في مراقبة ممارسة حقوق الإنسان في الصحراء،وثانيا بعدم استعمال حق الفيتو في رفض القرار بكامله، روسيا غير مكترثة بإقلاقالجزائر، يهمها أن لا تزعج المغرب...
أما عنانحياز عديد الدول الأوربية العربيةوالإفريقية، والولايات المتحدة الأمريكية، لحق المغرب ولمقترحه السلمي، وما يتضمنهذلك من تجاهل للجزائر وعدم اعتبار لما تقوله ولما يصفها به حكامها من نوع قوةضاربة ووازنة ومؤثرة... فلا مجال لشرح الواضحات وتكرار المعلنات...
المسعى السلميالمغربي أقنع العالم، ودوَله المؤثرة بخاصة... يكفي أن القرار الأخير لمجلس الأمن،المُستمد من منطلقات مقترح الحكم الذاتي المغربي، صوتت عليه أربعة دول صاحبةالفيتو ولم تعترض عليه روسيا... ويكفي أن الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء يتزايد،وقد تعزَّز بالدعم الفرنسي، فضلا عن الإسباني، وهُما دولتان صاحبتا المعرفةالدقيقة بحقائق تاريخية وضمنها مغربية الأقاليم الصحراوية، لصلتهما الاستعماريةبالمنطقة، فضلا على مكانتهما الدولية حاليا... ولا ضرورة لأن نوَضِّح بأن الرئيسالأمريكي رونالد ترامب عاد إلى البيت الأبيض، وأمامه اعترافه بمغربية الأقاليمالصحراوية، ولعلَّ القضية المغربية ستكون أوَّل انْشغالٍ له، وأسهله، في ما وعد بهمن تقليص، أو حتى إخماد، بُؤَر التوَتُّر ومَوَاقد النّار في العالم...
والعالم اليومَمُنْجَذِبٌ للمغرب بما تعِد به إنجازاته التنموية، وتفتح فيه من فُرص استثمارية،بدءًا من أقاليمه الصحراوية وإلى عموم مناطق المغرب، وما مُقْترح الحكم الذاتي إلامنتوج للرؤية الملكية الإصلاحية والتحديثية، ضمن الإمساك الملكي بتفاعُلاتالمسارات الوطنية، الاجتماعية والديمقراطية...
المغرب ليس"قُوَّة ضاربة"... هو بلد عريق وتُديره دولة ضاربة في التاريخ... وهوقوة فاعلة بما يُفيد شَعبها وتُفيد به مُحيطها الإفريقي، المتوسطي والعربي... وقدبات أصدقاء المغرب الكُثُر والمتكاثرين من يهمهم أن يوقِفَ حُكَّام الجزائرإزعاجهم للانْهماك المغربي في نهج السلم والتقدم المفيد لهم... وستكون الأممالمتحدة، مُطالبة، كما قال ملك المغرب، بأن تتحمل مسؤوليتها في ترجمة الإرادةالدولية إلى فعل ملموس لصالح المغرب.
الحل الوحيدالجدي والواقعي الذي يتداوله المجتمع الدولي داخل الأمم المتحدة وخاصة في مجلس الأمن، هو مقترح الحكمالذاتي... مفردة الاستفتاء وما يتداعى منها ألغيت بمنطوق ما تراكم من قرارات مجلسالأمن في السنوات الأخيرة... فلا مجال لعدم الحسم الأممي لصالح ما تقوله القراراتويقوله وضع المنطقة وإرادة المجتمع الدولي... لأن أصل المنازعة في الحق الوحدويالمغربي، والذي طال حوالي نصف قرن... أصلها باطل تاريخيا، قانونيا، اجتماعيا وشاذ علة الوضع الجيوسياسي للمنطقة...
ملك المغرب حينيدعو الأمم المتحدة للحسم فإنما لإنصاف المغرب نهائيا وفتح المنطقة على أفق السلموالتعاون والتقدم...