هناك خلاصتان اثنثان على الأقل عكسهما القرار الجديد لمجلس الأمن الذي تم التصويت عليه الخميس 31 أكتوبر 2024 والمتعلق بالصحراء المغربية.
أولا: القرار حافظ على جميع المكتسبات التي أحرزتها الدبلوماسية المغربية وتضمنها قرار السنة الماضية، بل الخمس سنوات الأخيرة أي منذ 2018. كما أنه حافظ على مرجعياته التي تضمنتها ديباجته وبالتالي القطع مع ما قبل تقديم المغرب لمقترحه المتعلق بالحكم الذاتي سنة 2007. وتأكيده أن المائدة المستديرة هي الإطار الوحيد للوصول إلى حل سياسي لهذا النزاع الإقليمي. ودعوته الأطراف الأخرى إلى تجنب الأعمال التي قد تعرقل العملية السياسية، وبالتالي أنه لا عملية سياسية بدون احترام لوقف إطلاق النار.
ثانيا: الفشل الذريع للجزائر التي لها صفة عضو غير دائم بالمجلس منذ بداية السنة الجارية.. إذ لم تستطع بالرغم من مناوراتها وشعاراتها أن تضيف أو تحذف حرفا من مكتسبات المغرب في نص القرار.. بل إن عملية التصويت شهدت حالة شاذة لم يسبق لعضو غير دائم ان اتخذها وهي أن الجزائر لم تصوت لا بالامتناع ولا بالمعارضة ولا بتأييد القرار بل عدم المشاركة وإخفاء رأسها في رمال قرارات سابقة كانت مضامينها مجحفة في حق المغرب.
القرار الجديد ويحمل رقم 2756، هو ال 77 الذي أصدره مجلس الأمن منذ سنة 1975 والمتعلق بالصحراء المغربية. وقد مدد ولاية المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2025. وجاء تبنيه بتصويت 12 عضوا لصالحه وبامتناع عضوين على التصويت هما روسيا والموزمبيق. وقد سعت الجزائر الى ادراج تعديلين تم رفضهما من طرف المجلس ارادت من خلالهما العودة الى طرح تم دفنه قبل اثنى عشر سنة، ويتعلق بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان...
قرار مجلس الأمن أتي في سياقات متعددة لها أهميتها ودلالاتها، هي في الحقيقة محصلة الجهود الدبلوماسية التي يبذلها المغرب لتأكيد الحقوق التاريخية والمشروعة في صحرائنا ...وهي بالأساس ما أعلن عنه جلالة الملك في خطابه امام البرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة من أنه ومنذ اعتلاء حلالته العرش: "أننا سنمر في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير، إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف. ودعوت كذلك للانتقال من مقاربة رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية".
وثالثا، الموقف الذي عبرت عنه فرنسا على لسان رئيسها ايمانويل ماكرون في تهنئته لجلالة الملك بمناسبة عيد العرش:" أعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية. […] بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية" وهو ما أكده اعلان الشراكة الاستراتيجية الاستثنائية والوطيدة الموقع عليه قبل ثلاث أيام وهو الموقف الذي تم تأكيده في خطابه أمام البرلمان بمناسبة زيارة الدولة لماكرون لبلادنا. وبذلك تضاف فرنسا العضو الدائم بمجلس الامن إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي لها نفس الصفة بالمجلس باعترافهما بمغربية الصحراء ولإسبانيا التي تعد الى جانب باريس على اطلاع وثيق بحقائق قضية الصحراء وبالنزاع الذي تفتعله الجزائر منذ حوالي نصف قرن.
قرار مجلس الأمن جاء في سنة عرفت المزيد من دعم عواصم العالم لمبادرة الحكم الذاتي ونشير هنا على سبيل المثال ما عرفته الدورة الأخيرة للجنة الرابعة بالأمم المتحدة التي صرح فيها ممثلو الدول على دعم هذه المبادرة التي قدمها المغرب في أبريل 2007. وحتى الدول التي لا زالت تساند الطرح الجزائري اختارت ان تدرج فقرة من فقرات قرارات مجلس الأمن (" ضرورة التوصل الى حل سياسي ...ودعم الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي..") بل هناك العديد من الدول وعلى خلاف مداخلاتها في السنوات السابقة لم تتطرق لموضوع الصحراء..
وكما في القرارات التي صدرت منذ 2019 أي ابتداء من القرار 2494 ورد اسم الجزائر في القرار الأخير تسع مرات بعد ان كانت تتم الإشارة اليها كطرف مستتر:
تم ذكرها بالاسم خمس مرات، وكطرف، وكعضو ضمن الأعضاء في اتحاد المغرب العربي، وكبلد مجاور، وكدولة مجاورة.
ومع ذلك لازالت جارتنا الشرقية تدعي أنها ليست طرفا معنيا بالنزاع وهي التي افتعلته منذ بداية سبعينيات القرن الماضي.. وها هي جلسة مجلس الامن تشهد أن دبلوماسية الجزائر بخطابها وبتعديلاتها وبارتباكها وبهروبها من التصويت تؤكد أنها الطرف الرئيسي الذي يقف في وجه حل سياسي ويتبنى اطروحات تم تجاوزها لأنها غير واقعية ولا أفق لها ..لقد كانت جلسة الخميس الماضي بمثابة القبض على هذه الدبلوماسية وهي في حالة تلبس تخفي رأسها تحت رمال ...الهزيمة.