فن وإعلام

"كرونيك "السينما ، عشقي!" "أماديوس" تقديم آسر لجوهر القرن الثامن عشر

إدريس شويكة (مخرج و ناقد سينمائي)

"لقد استغرق مني وقتا طويلا للتخلص من الكليشيهات التي تكونت لدي حول خفة موزار، وفهمت أن موزار لم يكن هذا الملاك ذو الشعر الذهبي الذي يجلس على قاعدة رخامية بل هو كائن مليء بالتناقضات".

ميلوس فورمان.

عرض سنة 1984، وهو مستوحى من مسرحية تحمل الاسم نفسه لبيتر شافير، والذي شارك أيضًا في كتابة سيناريو الفيلم، وقد حقق نجاحًا أكبر لدى الجمهور والنقاد من فيلم "تحليق فوق عش الكوكو"، ففيلم "أماديوس" لميلوس فورمان تم تصنيفه في مرتبة متقدمة ضمن أفضل الأفلام في تاريخ السينما. وفي سنة 1985، حصل على عدد هائل من الجوائز حول العالم، بما في ذلك ثماني جوائز أوسكار (أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو مقتبس لبيتر شافير، وأفضل لموراي أبراهام، وأفضل إخراج فني لكاريل سيرني وباتريزيا فون براندنشتاين، وأفضل تصميم أزياء لثيودور بيستيك، وأفضل مكياج لديك سميث وبول ليبلانك، وأفضل صوت)، وسيزار أفضل فيلم أجنبي، والعديد من جوائز غولدن غلوب، وبافتا وغيرها من الجوائز في المهرجانات المرموقة.

يمكن تلخيص قصة الفيلم كما يلي: في سنة 1781، وصل ملحن موسيقي شاب يدعى فولفغانغ أماديوس موزار إلى فيينا، وقد سبقته سمعة كبيرة ومغرية، ولكنها مصحوبة بقدر كبير من الشغب والعفوية أزعجت العالم الشديد التقنين لبلاط الإمبراطور جوزيف وملحنه الرسمي أنطونيو ساليري. وسرعان ما يرى ساليري أن موزار على وشك أن يصبح أعظم ملحن في التاريخ. فساليري يتمتع بموهبة كبيرة لكنه يشعر أن عبقرية موزار تفوقه بكثير. فكيف يتعامل إذن مع التهديد الذي يشكله الشاب موزار على حياته المهنية؟ وهكذا، يشعر ساليري بخيانة إلاهية، وينتابه غضب شديد، ويفعل كل شيء للإطاحة بموزار مع محاولة فهم سبب موهبته الكبيرة.

هكذا ففيلم "أماديوس" يتتبع حياة العبقري الموسيقي فولفغانغ أماديوس موزار، بينما يستكشف الغيرة الشديدة التي يشعر بها الملحن أنطونيو ساليري. وبالتالي يقدم هذا العمل السينمائي استكشافًا آسرًا لموضوعات الإبداع والحسد والعبقرية.


مقاربة تاريخية آسرة

"أماديوس"، المعروف جيدًا بمقاربته السينمائية الجريئة، عرف مخرجه كيف يقدم جوهر القرن الثامن عشر من خلال ديكورات فخمة واهتمام دقيق بالتفاصيل التاريخية. تم تصوير أغلب مشاهد الفيلم في براغ، مما سمح للعمل بالانغماس بشكل أفضل في أجواء ذلك الوقت. وعلى الرغم من أن الفيلم يعتمد على شخصيات حقيقية، إلا أنه يتحرر من الواقع التاريخي المحض. فالتنافس الشديد بين ساليري وموزار، قلب الحبكة، متخيل إلى حد كبير. ويهدف هذا الاختيار الدرامي إلى إبراز موضوعات الحسد والعبقرية، مع الحفاظ على التوتر السردي الآسر.

في الواقع، يشكل الحسد المدمر أحد المواضيع الرئيسية للفيلم وهو الحسد الذي يشعر به ساليري تجاه موزار. يرى ساليري، الملحن المقتدر ولكن ذو أفق تفكير محدود، في موزار موهبة بعيدة المنال. وتتحول هذه الغيرة إلى هوس مدمر، مما يوضح كيف يمكن للحسد أن يفسد النفس ويؤدي إلى الأفعال اليائسة. لكن موزار نفسه يُصوَّر على أنه عبقري لامع ولكنه مثير للقلق، يتمتع بعفوية تقترب من الابتذال، شخص تتجاوز موهبته الأعراف الشائعة. يشكك هذا التشخيص في طبيعة العبقرية ذاتها: هل هي هبة إلهية أم لعنة تعزل حاملها عن بقية البشر؟ على النقيض من ذلك، يجسد ساليري الحياة العادية المحبطة، تلك التي تعترف بالعبقرية لدى الآخرين ولكنها لا تستطيع تحقيقها بنفسها.

كما أن التوتر بين ساليري وإيمانه الديني يوفر طبقة أخرى من التعقيد الموضوعاتي. فهو يعتقد أن الله اختار موزار ليجسد العبقرية الموسيقية، وهو قرار لا يستطيع قبوله. هذا الصراع الداخلي ضد مصير يُنظر إليه على أنه غير عادل يغذي صراعه مع موزار ويؤكد محدودية رؤيته الروحية والأخلاقية.


انجازات متميزة

الإنجازات التقنية والفنية في الفيلم كانت في غاية التميز. وعلى وجه الخصوص، نال الممثلون توم هولس في دور موزار وموراي أبراهام في دور ساليري الإستحسان بسبب كثافة وعمق تشخيصهم. وقد فاز أبراهام، على وجه الخصوص، بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل عن أدائه، الذي يظهر تعقيدات رجل تنهكه عواطفه.

أما موسيقى موزار، شخصية حقيقية في الفيلم، تعمل أيضًا كقوة دافعة ملفتة للنظر. فالمقطوعات المختارة لا توضح عبقرية الملحن فحسب، بل تعزز أيضًا التأثير السردي والعاطفي على المشاهد. كما أن إبداعات الديكور والأزياء، التي تمت مكافأتها بجوائز مرموقة، تغمر المشاهد حقًا في أجواء الفترة الكلاسيكية للقرن الثامن عشر بأصالته المتميزة.

لذا، كان من الطبيعي أن يحظى فيلم "أماديوس" بهذا القدر الكبير من الاستحسان من قبل النقاد والجمهور. كما تستمر القراءات والتحليلات في الإشادة بقدرة هذا الفيلم على الجمع بين الدقة التاريخية والدراما السيكولوجية، فضلاً عن جاذبيته الواسعة لدى عشاق التاريخ والموسيقى.

إنه أحد الأفلام التي يمكن مشاهدته مرارًا وتكرارًا مع متعة سينيفيلية متجددة.


فيلموغرافيا مختارة لميلوس فورمان (الأفلام الطويلة)

« L’As de pique » (1963) ; « Les amours d’une blonde » (1965) ; « Au feu les pompiers» (1967) ; « Taking Off » (1971) ; « Vol au-dessus d’un nid de coucou » (1975) ; « Hair » (1979) ; « Ragtime » (1981) ; « Amadeus » (1984) ; « Valmont » (1989) ; « Larry Flynt » (1996) ; « Man on the Moun » (1999) ; « Les fantômes de Goya » (2006) ; «Dobře placená procházka ».

ادريس اشويكة