قضايا

المدينة “المغدورة”

مسرور المراكشي

الكلام هنا عن المدينة القديمة بالدار البيضاء، وفي ظل انشغال الشعب المغربي بقضية غزة، شرعت منذ أيام حكومة “الباطرونا”، في هدم وتخريب معقل المقاومة المسلحة بالدارالبيضاء، والتي كان شباب هذه الأحياء يقاوم من أجل تحرير الوطن، حيث كانت الحركة الوطنية تتخذها نقطة انطلاق عملياتها الفدائية ضد المستعمر الفرنسي، كما كانت تشكل الملاذ الآمن لرجال المقاومة الشعبية، و هي في نفس الوقت خزانها البشري من الفدائيين، فعندما تتجول في المدينة القديمة تشعر بعبق التاريخ، وأنت على يقين بأن الشهيد الزرقطوني مر من هنا، وأن رفاقه سلكوا هذه الأزقة الضيقة و المتعرجة، سواء لنقل السلاح أو للتواري عن أعين الجواسيس ( البياعه)بعد تنفيذ عملية ما، لقد كانت المدينة القديمة كابوسا حقيقيا، يقض مضاجع المحتل الفرنسي، و دروبها شاهدة على تصفية الكثير من العملاء و الخونة، وأنا اليوم على يقين أن الفرنسي في غاية الفرح، وهو يشاهد تخريب معقل المقاومة المسلحة، كيف لا وهي التي كانت سببا فى طرده من البلاد، لو كان من الممكن أن تصل أخبار هدم المدينة القديمة، إلى المقيم العام الفرنسي في قبره ( المارشال لوي هوبير اليوطي)، لكان في غاية الفرح والسرور بهذا الخبر السعيد، ولكان جد ممتن لمن قام بهذا الإنجاز و الذي خطط و نفذ، وأخيرا جاء من يشفي الغليل و ينتقم للفرنسيين، من المدينة القديمة بعد مرور أزيد من 100 عام على الغزو الفرنسي للمغرب، لقد ابتلي الشعب المغربي بحكومة فرانكوفونية، تتميز بالغباء والجهل المركب، لا تقيم وزنا للتاريخ أو للثرات أو للموروث الحضاري والثقافي لهذا الشعب، في الحقيقة لست مندهشا مما يحدث للمدينة القديمة من تخريب، لأن المال هو الفيصل في ظل حكومة رجال الأعمال، فهناك خبر يروج وسط ساكنة البيضاء، أن موقع المدينة القديمة قد بيع لدولة خليجية، نظرا لموقعه الإستراتيجي فالمتر المربع يساوي الملايين، وعليه فإن المخطط يرمي إلى تحويل أرض المدينة القديمة، بل الدار البيضاء الكبرى كلها إلى فنادق وملاهي و مراقص و محلات (تدليك) واسترخاء..!!، خمارات وفيلات مفروشة ” للمتعة” إضافة إلى قاعات القمار (كازينو هات).

خلاصة هناك إرادة لتحويل مدينة الدار البيضاء إلى مركز ترفيه كبير، حيث تصبح هي (لاس فيغاس) إفريقيا والعالم العربي، فهل يرضى سكان البيضاء لمدينتهم هذا المصير المذل..؟ وهل هذه المدينة بلا تاريخ وبلا أمجاد..؟ إن محو المدينة القديمة من الجغرافيا والتاريخ، فيه اعتداء على الذاكرة الجماعية لسكان مدينة الدار البيضاء كلهم، إن ” الملاح” الذي سكنه اليهود في القرن الماضي، يقع وسط المدينة القديمة بمراكش، وله كذلك موقع استراتيجي مهم حيث يتوسط قصر الباهية و قصر البديع، وهو على بعد أمتار من ساحة جامع الفنا الشهيرة، كما يشكل مدخلا إلى المدينة القديمة رياض الزيتون وغيره من أحياء مراكش التاريخية، ويصل ثمن المتر المربع فيه إلى الملايين، فهل تستطيع حكومة ( الباطرونا ) لمسه أو هدمه أو نبشه..؟ طبعا لا…. ببساطة فهناك مستشار يحميه..!!، لقد تم ترميمه بملايين الدراهم وحافظوا عليه كما كان، وفي فاس ومراكش هناك مواقع كثيرة تاريخية بالمدينة القديمة، مصنفة من طرف منظمة(اليونسكو) ضمن التراث العالمي فهي إذن محمية ضد الهدم والتخريب، لكن المدينة القديمة في الدار البيضاء لا بواكي لها مع الأسف الشديد، وهذا في رأيي أمر غير مقبول فيه تمييز، إنه احتقار لهذه المدينة إنها ( الحݣرة )،



لقد وقع حدث خطير عندما قامت شركة كبرى تنشط في العقار، وفي إطار تهيئة أراضي فلاحية بضواحي مدينة الدار البيضاء الكبرى، تم العثور على حفريات قديمة عبارة عن نقود، أواني خزفية ذروع سيوف وأشياء أخرى، يبدو أنها لحضارة قديمة كانت في سهول الشاوية، مما أثار جدلا علميا بين اختصاصيين في علم التاريخ، و رجال أعمال ينشطون في مجال العقار، وكانت مواجهة حاسمة بين أصحاب القلم وأصحاب الفأس مع الملاسة و( الطالوش)، وبين أخذ ورد كانت الغلبة لأصحاب الياجور والأسمنت، وعليه تم ردم المكان وتبليطه ودكه، وبعد ذلك جاءت عملية الزفت لتزفيت الجغرافيا والتاريخ معا، إن معركة انقاذ المدينة القديمة هي معركة الجميع، جمعيات المجتمع المدني نقابات وأحزاب، لا يمكن ترك المدينة القديمة لوحش العقار، هذا نداء لأهل البيضاء الغيورين على تاريخها المجيد…