تحليل

كفى ”نوما في العسل”!

جليل طليمات

ما حدث، أسبابه اجتماعية في البدء والمنتهى

تشكل محاولة عبور حشد غفير من اليافعين والقاصرين والشباب إلى سبتة المحتلة، ناقوس إنذار قوي لجميع مكونات المجال السياسي الوطني: نظاما سياسيا، وحكومة، وبرلمانا، واحزابا، ومجتمعا مدنيا..

ومهما كان تأثير هذا الفعل التحريضي لذئاب إلكترونية في الداخل أو في الخارج، فإن دافع هذه المحاولة أو محركها

يبقى ذاتيا، هو دافع استوطن نفوس وعقول زهرات الوطن، وجردها من نعمة الأمل في المستقبل، إنه (الدافع) اليأس كطاقة سلبية مدمرة، تأتي على أي ” عمران بالخراب”، على قول العلامة ابن خلدون.

لا مجال، إذن، لأي تبرير، أو تزييف لأسباب ما جرى يوم 15سبتمبر، أمام ثغر سبتة المحتلة، فهي معاشة في كل مدينة وقرية، ومدرسة ومستشفى، وفي الأسواق وأمام محطات البنزين، وهي موثقة في عشرات التقارير التي رصدت مؤشرات التنمية البشرية لبلدنا، ومراتبنا المخجلة في سلمها..

صحيح، سيستغل خصوم بلادنا، كعادتهم، هذه الواقعة في دعاياتهم السخيفة، لكن ذلك لا يسوغ السقوط في منطقهم الغبي، مثل تفسيرهم سبب حرائق غاباتهم ذات صيف قائظ “بمؤامرة مغربية” !!!

– ما حدث، أسبابه اجتماعية في البدء والمنتهى. ما يفرض العديد من الأسئلة حول الحديث المتضخم والفرح لرئيس الحكومة عن ” الثورة الاجتماعية غير المسبوقة!”، ( والاصح غير المرئية والملموسة)، في مهرجان شبيبته الراقص على أنغام غرائزية، وكلمات بذيئة، والمحرض ضد خصومه السياسيين الذين قادوا تجربة حكومة التناوب بشجاعة ونكران للذات الحزبية، وانقذوا، فعلا، لا ادعاء، الاقتصاد الوطني من ” السكتة القلبية”..

لكن شاءت وضعية ”درجة الصفر في السياسة”، أن تتنكر شبيبة حزب رئيس الحكومة لذلك، فرفع عنه، بالتالي، شرف انتمائه لحكومة الاشتراكيين بقيادة السي عبد الرحمن اليوسفي وحلفائه في الكتلة الديمقراطية ..ياللعبث، والخذلان!!

– إن ما جرى في مدينة الفنيدق الهادئة من محاولة ” هروب جماعي” مغامر بالحياة، وضع استفهامات عريضة عن غياب التواصل الحكومي مع آلاف المواطنين والمواطنات الذين عاشوا مذهولين، مرعوبين وفلذات اكبادهم تتجه بعناد وسخط واندفاع نحو المجهول ..فهل تكفي كفاءة الجهاز الأمني وحده لمواجهة الحراكات الاجتماعية العفوية والغاضبة؟ أين تدخل بقية الأطراف المدنية، الحكومية وغير الحكومية؟ أين “بلاتوهات” قنواتنا الرسمية والتابعين لها؟ لماذا لم تستدع محلليها الدائمين، مادحي أوراش الحكومة، للشرح والتنبيه والارشاد والتنوير، كما هو مفروض، بدل ترك الرأي العام لقمة سائغة لشائعات واكاذيب الخصوم، وتجار الازمات، و المهجوسين ” بنظري المؤامرة”؟

لقد آن الأوان، في ظل واقع توالي وانتظام الهزات الاجتماعية العفوية بفعل اشتداد مشكلات مختلف القطاعات الاجتماعية نتيجة كوارث الطبيعة، والتضخم، والاحتكار، والفساد، وسوء التدبير المؤسساتي…الخ، لفتح حوار سياسي وطني حول المسألة الاجتماعية، وبخاصة حول مدى نجاعة وفعالية الاوراش الكبرى، التي مازالت دعاية أكثر منها واقعا ملموسا، فبعض مكاسبها، التي لا تنكر، محدودة وهشة وقابلة للتراجع أو التحلل بفعل النهج ” النيوليبيرالي المفترس” لسياسات الحكومة في قطاعات اقتصادية واجتماعية حيوية.

ولان المسألة الاجتماعية هي في جوهرها مسألة سياسية، فإن المدخل الطبيعي والرئيس لحل معضلاتها وتوتراتها هو مدخل سياسي، ما يعني ضرورة مباشرة اصلاحات سياسية ومؤسسية تحرر المجال السياسي من انسداداته، وتعيد الثقة والامل للمواطنين، والمصداقية للعمل السياسي عموما، و الحزبي خصوصا.

فكفى ” نوما في العسل ” ، عسل اوراش لم تكتمل ، وعسل “الانجازات الكروية”، على أهميتها النسبية جدا.