رأي

محمد معروف: فكر "أبو بكر ناجي" وغزوات الإسلامويين الإلكترونية بالمغرب

لا شك أن هناك مظالم ومعاناة تعيشها فئات واسعة من المجتمع المغربي، تتجلى في الهشاشة الاجتماعية، والبطالة، وتدني المستوى التعليمي، والخدمات الصحية، وغيرها من الأزمات الاجتماعية التي تستوجب حلولا بنيوية، لكن هذه المشاكل ليست بجديدة، وهل ترقى هذه المشاكل إلى تهديد السلم الاجتماعي، خصوصا وأن الغلاء والتضخم بعد الجائحة هي تحديات عالمية؟

لماذا تلوح الآن في الأفق بوادر احتجاجات بدون قيادة ميدانية واضحة، في ظل يسار ممزق ومشتت، و"صمت" القوى الفاعلة في الشارع كحركة العدل والإحسان، وعودة ظهور بن كيران، الذي يمكن اعتباره أبو بكر الناجي الجديد على الساحة، يهدد بالانقلاب والثورة وتسونامي، إلى جانب زملائه في حزب العدالة والتنمية؟ ما الذي يحدث؟ وما العلاقة بين هذه التحركات والجارة الجزائر؟ وكيف يمكن أن نفهم الترابط بين هذه العوامل المختلفة؟

أليست الوضعية الاجتماعية الآنية هي نتيجة سياسات طويلة الأمد تعاقبت عليها الحكومات المتتالية بالمغرب، بما في ذلك الحكومة الإسلاموية بقيادة عبد الإله بنكيران ومن بعده سعد الدين العثماني.

تولت الحكومة البيجيدية السلطة لمدة عشر سنوات، وخلال تلك الفترة، لم يدخل جيوب الموظفين ولو درهم واحد كزيادة في الاجور، ولم تُحل هذه الأزمات الاجتماعية، بل تفاقمت، بالتخلي عن صندوق المقاصة، وسياسة عفا الله عما سلف، واصلاحات هيكلية اضرت بالطبقة الشغيلة آنذاك، وزاد عدد المهاجرين في ظل حكومتي بنكيران والعثماني مقارنة بما يحدث الآن.

يبرز السؤال: لماذا يتحرك حزب البيجيدي الآن، وتخرج أبواقه للحديث في العلن عن أزمة اجتماعية خانقة ويتم تجييش الشارع الآن حول تفاقم الأزمات الاجتماعية والفساد؟

لماذا تتصاعد دعوات الهجرة الجماعية في هذه الفترة بالتحديد، ويندد بيان العدل والإحسان بقضايا الهجرة الجماعية؟ صحيح أن الجزائر تعمل على نشر ما يسيء الى المغرب، لكن هل هي قادرة على تحريض المغاربة بمعزل عن تحريض داخلي مؤطر؟

يعتمد المشروع الإسلاموي الآن في عدة مناطق من العالم على توظيف الرقمنة لشن حرب استنزاف تتجسد في شكل غزو إلكتروني منظم، كأداة للتحكم في المجال العام الافتراضي وصناعة الاجندات المؤثرة لاستنزاف مؤسسات الدولة وإضعافها تدريجياً، حيث تتحرك من أزمة مفتعلة إلى أخرى لزيادة الضغط على الدولة.

وفي هذا السياق، يبدو أن بعض المؤثرين influencers ، مثل المهداوي والطاوجني وغيره من اليتوبرز والصفحات المؤثرة، تلعب دور الوسيط أو "البوق" لنقل رسائل الإسلامويين بغض النظر عن المقاصد ودرجة الوعي بالمخاطر الناتجة عن ذلك. تحدث المهداوي بالأمس عن عريضة مجهولة المصدر تدعو للخروج إلى الشارع قصد التظاهر في عدة مدن مغربية، لكي يتجاوز بذلك حدود العمل الصحفي ويدخل في نطاق البروباغندا--ترى لفائدة من؟-- مما قد يعرضه للمساءلة القانونية.

إن الفكر الإسلاموي بشقيه المهادن والجهادي، يعكس تأثرًا واضحًا بفكر "أبو بكر ناجي"، الذي يدعو في كتابه "إدارة التوحش" إلى زعزعة استقرار الدول وإضعاف مؤسساتها كوسيلة للسيطرة عليها، فالسؤال هل هناك جهات تستغل الغضب الاجتماعي في المغرب لتوجيهه نحو أهداف سياسية تخدم أجندات معينة؟ مما يؤشر إلى حرب استنزاف طويلة المدى لن تتوقف عند الهجرة الجماعية، بل ستواصل تصاعدها بزيادة التوترات والاضطرابات مستخدمة تقنية الغزوات الالكترونية التي لم تستطع مجموعة من الدول، وحتى الغربية منها، مواجهتها تكنولوجيا.

ما هي الغزوات الإلكترونية؟ هي أدوات رقمية تشمل المؤثرين، والصفحات المجهولة، والمجموعات الخاصة، والهاشتاجات، والصور الساخرة، والملصقات، والفيديوهات الناشطة، والارقام الوهمية، والمقالات، والقصائد، والمتصيدين (الترول)، وغيرها من التقنيات التي لا يسع ذكرها هنا، التي تهدف إلى تشكيل وجهة نظر الداعية الدعائية وترسيخها في ذهن المتلقي من خلال نشر المحتويات الرقمية الموجهة بعناية، وفي الحالة المغربية، فهي تصنع من غضب بعض المواطنين مظالم شعبية تؤطر من خلالها الاحتجاجات في الشارع.

لنأخذ الشيشاني الذي اعتدى على أستاذ التاريخ في باريس على سبيل المثال. كان مناصرا وليس عضوا في التنظيم، ثم استجاب لغزوة إلكترونية أطلقتها الدولة الإسلامية تحت شعار "عليك بهم أيها الموحد" دامت لأسابيع. تعتبر هذه الغزوات الإلكترونية خطيرة للغاية لأنها تستطيع الانتقال من العالم الافتراضي إلى الواقع المادي، مما يجعل تأثيرها ملموساً ومؤثراً في العالم الحقيقي. هذه هي خطورة الغزوات الإلكترونية؛ فهي لا تبقى مجرد نشاط رقمي، بل قد تتجسد في أفعال وأحداث تؤثر على المجتمعات وتزعزع الأمن والاستقرار.

يهدف الغزو الالكتروني في الحالة المغربية إلى بناء سرديات قاتمة سوداوية حول بروباغندا المظلومية victimization propaganda لإضعاف شعبية الحكومة، والمؤسسات التي توفر لها الحماية. وهذا يتوافق مع المبادئ التي وضعها أبو بكر الناجي في كتابه "إدارة التوحش". وفقاً للناجي، يجب أن يسعى الإسلاميون إلى زعزعة استقرار مؤسسات الدولة لتسهيل الإطاحة بالحكومات والاستيلاء على السلطة، مما يخلق وضعاً يطالب فيه المواطنون فقط بالاحتياجات الأساسية للبقاء بدلاً من حقوق الإنسان الشاملة. أليس هذا ما حدث في اليمن وسوريا وغيرها من الدول إبان الخريف العربي؟

إن استراتيجية استخدام الغزوات الإلكترونية أصبحت شائعة بين الفصائل الإسلاموية، من المتطرفين مثل تنظيم الدولة إلى المجموعات الأكثر اعتدالاً والمشاركة سياسياً مثل حزب العدالة والتنمية في المغرب (PJD). ومع ذلك، يبدو أن هناك فجوة كبيرة في الاستراتيجيات المضادة من قبل المؤسسات الحكومية، بما في ذلك تلك الموجودة في المغرب ومصر وتونس وغيرها من الدول.

تعتمد الدول بشكل كبير على التدخلات الأمنية والمحاكمات والسجن، بدلاً من تطوير استراتيجية إعلامية قوية لممارسة القوة الناعمة. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع الدول الاشتراكية في أمريكا اللاتينية، مثل فنزويلا تحت حكم شافيز، التي استخدمت آلاف محطات الراديو بفعالية لنشر الأيديولوجيات المناهضة للرأسمالية.

هنا تظهر أهمية وجود جهاز إعلامي قوي في السيطرة على الرأي العام، لكن المغرب يفتقر إلى القدرات التكنولوجية المتقدمة لمضاهاة التطور الرقمي للحركات الإسلاموية. لذا يجب أن تتوفر رؤية استراتيجية للدولة لمواجهة هذه التحديات بما في ذلك الإصلاحات الاقتصادية طبعا، وتطوير استراتيجيات إعلامية مضادة قادرة على التصدي لمحاولات الاستغلال والتحريض، حفاظاً على استقرار البلد وحماية المجتمع من الفوضى.