رأي

عبدالرفيع حمضي: أمريكا …. الأسود يليق بك

“لا يستطيع أحد منهم أن يوقف الزمن” هذا مقطع من أغنية أنشدها وأبدع فيها ملك موسيقى الريغي” بوب مارلي ” Bob Marley ،في رائعته الشهيرة “أغنية الخلاص ” rédemptions Song في آخر ألبوم له (انتفاضة) سنة 1980، حيث تجانست الكلمات النافذة مع الإيقاع العميق وامتزجت بالصوت القوي في صرخة وتحد لمعاناة المواطنين الأفرو-امريكيين لسمرة بشرتهم.

أما الان فمرة اخرى ستدخل الولايات المتحدة الأمريكية لعبة الالوان وستتحول بشرة السيدة “كامالا هارس” Kamala Harris إلى مادة خصبة لكل التعاليق السياسية والتحاليل الاقتصادية والريبورتاجات الاجتماعية…إلخ.

ولنا أن نتخيل شراسة المعركة المقبلة بين دونالد ترامب من جهة، ذلك الرجل الأبيض عراب الشعبوية في العالم، أعنف ما عند الجمهوريين، الرجل الذي يستبيح كل شيء، لا ليدافع على وطن، ولكن لاستمرار طغيان بلد. بلد لا مكان فيه للضعيف والمختلف. فالبقاء للأصلح، والأصلح هو من أهلته ظروفه الاقتصادية والاجتماعية، – حسب تعبير محمد عابد الجابري -.

ومن جهة أخرى “كامالا هارس”، تلك المرشحة المحتملة للديمقراطيين. فبالإضافة إلى كونها خصم سياسي، فهي قبل ذالك امرأة وذات بشرة مختلفة، فلن يرضى ترامب بأقل من اذلالها بهزيمة مدوية وهو المزهو بإقصاء امرأة بيضاء البشرة قبلها من علية القوم “هيلاري كلينتون” في رئاسيات 2016.

ترامب الذي يعتز ويفتخر بكون الميكيافيلية هي أسلوبه في الحياة. وأن الغاية تبرر الوسيلة، فلن يتوانى النبش في التاريخ، ليُرْهب الأمريكيين بأن جزء من المعركة في نونبر 2024 ستكون معركة ألوان وليست معركة برامج فحسب.

سَيُذكر ترامب الأمريكيين بقوانين “جيم كرو”، التي كانت تهدف أن تظل حياة الأمريكيين البيض والسود منفصلة في كافة فضاءات الحياة العامة ومرافقها، كالمدارس والكنائس والمحلات التجارية، بل وحتى المصاعد والحافلات وصنابير مياه الشرب.

سيقول ترامب لأتباعه، عندما أُهِينَت امريكا من طرف أنصار بن لادن يوم 11 شتنبر2001، كان أمن الولايات المتحدة الامريكية تحت مسؤولية “غونزليزا رايس” Condoleezza Rice امرأة سمراء مستشارة الامن القومي، حيث زهقت روح 3000 مواطن. وسيضيف عندما تورطت امريكا في العراق كان بطل “الكذبة” هو “كولن باول “Colin Powell وزير خارجية امريكا، الرجل الأسود الذي وقف في الخامس من فبراير2003، أمام مجلس الأمن بالأمم المتحدة قائلا: “ما نقدمه لكم هي حقائق واستنتاجات مبنية على استخبارات قوية، تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل”. وهو يحمل أنبوبا يحوي مسحوقا أبيض (في إشارة إلى أنثراكس أو الجمرة الخبيثة)، فكان ذلك الخطاب بمثابة إعلان صريح لغزو العراق الذي تم يوم 19 مارس/ 2003، وسقطت بغداد فعليا يوم 9 من أبريل من نفس السنة ليكتشف العالم فيما بعد ان هذا الرجل مخادع ولا شرف له.

وفي عز نفس المعركة الانتخابية، ستقف “هارس” أمام انصارها، معتزة ” بروزا باركس، “المرأة الأمريكية البسيطة التي جلست سنة 1955 في المكان المخصص للسود في خلف الحافلة، ورفضت أن تترك مكانها لرجل ابيض. فتم القبض على “روزا”، لأنها لم تتخل عن مقعدها وفق قانون الفصل بين الركاب على أساس اللون، ودفعت غرامة قدرها عشرة دولارات وتم ايداعها السجن. فانطلقت الاحتجاجات والمقاطعات والعصيان المدني،الذي استمر 381 يوما. لتعلن بعد ذلك المحكمة الأمريكية العليا في نونبر 1956، أن قوانين (جيل كرو) غير دستورية.

وتشاء الظروف أن تكون “كامالا هارس”، هي من أشرفت سنة 2022 على تنصيب “كيتانجي برواون جاكسون”، كأول قاضية سمراء بنفس هذه المحكمة بعد 233 سنة من وجودها. كما يشاء مكر التاريخ، أن الكابيتول الذي هجم عليه أنصار ترامب في يناير 2021 هو نفسه المكان الذي كان مجلس الشيوخ بالكونغرس الأمريكي قد أصدر قرارا يقضي بتكريم أيقونة الحقوق المدنية بعد وفاتها “روزا باركس” من خلال وضع جسمانها في القاعة المستديرة بمبنى الكابيتول، حيث ألقى الزوار نظرة الوداع عليه على مدى يومين. وكانت باركس أول سيدة سمراء تحظى بذلك التكريم في الولايات المتحدة.

هذه هي أمريكا، فحتى وإن كان بايدن قد قال يوما، إن أمريكا ليست أمة، بل فكرة. فكم هي غنية وشجاعة وثرية وولودة هذه الفكرة !!..

فأمريكا الاستهلاك والهوليود والتي تجاوزت كل عقدها واختارت سنة 2020 “ماي جيمسون اسيابرانش”، ملكة للجمال وهي السمراء اللون، لأول مرة في تاريخ هذه المسابقة لن يكون صعبا عليها، أن تختار “كامالا هارس” رئيسة لأكبر دولة في العالم.

فمن منكم يتخيل العالم بدون أمريكا؟..